حبيب السامر
قد يختلط التفسير عند البعض لما يحدث لهم في حصد ثمار ردة فعل مبكرة صادمة، تجعلهم يشعرون بحصة وافرة من اللوم النفسي على أحلام تلاشت وفرص هدرت لم يحسن استثمارها، وهنا لا يختلف حجمها الشكلي مقارنة بما تجعل صاحبها يدخل في شرنقة الحسرة ومحاسبة الذات على فقدانها وسعة الإحباط الذي تخلفه تلك اللحظات من تأنيب للضمير لكثرة المحاولات الخاسرة التي خطط لتحقيقها دون جدوى.
وفي هذا المجال، قال إيمانويل كانت «الأشخاص الذين يخافون من الفشل، لا يمكنهم معرفة طعم النجاح.» وهنا نتساءل عن أهمية الشجاعة والإقحام وتكرار التجربة وتجاوز الفشل الذي يعترض التجارب الأولى، وعدد المحاولات التي تسبق تذوق طعم النجاح، ممزوجة بالجهد والجد المتواصل لبلوغ القناعة الأولية بما يكتب، أو بما ينتج، ليكون متاحاً أمام المتلقي.
تظهر في الساحة الثقافية أسماء عدة وفي أوقات متفاوتة، وهي تحاول أن تشق طريقها ضمن خط شروع معين، يجد الكاتب أو الفنان نفسه فيه، وتبدأ المحاولات، وتتكرر، لكن سرعان ما تضمحل ويختفي بعضها مع مرور الوقت، قد نبرر ذلك بالظروف المحيطة وهي تشكل عاملا مهما في تبديد فرص تواجدها واثبات نفسها، وبهذا تكون اسهمت بالتجاور مع الفرص الذاتية إلى قلق يتوسع إلى اكتئاب وعدم القدرة على مواجهة الواقع.
لو حصرنا الأمر كثيرا، وقرّبنا المجهر أكثر، على وسطنا الأدبي وتابعنا حركة ظهور الأسماء عبر حقب متعددة، واستعرضنا تلك الأسماء التي دخلت الساحة الأدبية على اختلاف تنوع تخصصاتها الكتابية، سنجد الكثير من تلك الأسماء تلاشت وسقطت أوراق خريفها مع مرور الوقت وتعاقب الفصول، وهناك أسماء سطعت وتواصلت مع عجلة الأدب المتسارعة، هذه الأسماء المتواجدة والفاعلة هنالك منهم من ندم على نص أو نصوص شعرية أو سردية، وربما كتاب بحد ذاته، يشعر بالضيق والندم على إصداره في وقت ما، وتعود الأسباب الكثيرة إلى اقتراف تلك الأشياء دون قصد ربما، لكن النتائج قاسية بسبب الاندفاع غير المبرر وعدم التحكم بالأخطاء قد تفسد واقعه ومشروعه الأدبي.
وهنا يدعونا الشاعر الهندي طاغور في قوله «الفشل هو مجموعة التجارب التي تسبق النجاح، ربما نقف عند هذا القول كثيرا» إلى التمسك بالتجارب التي تسبق النجاح وسيل المحاولات وتنوعها كي نصل بالنتيجة إلى الحالة التي تسر الكاتب نفسه وتترك أثرا مناسبا في الذائقة الجمعية، وما ستخلفه من شعور بالرضا عن تلك الممارسات المتكررة في خوض التجربة وصولا إلى نقطة النجاح المفترض، وهو يشكّل علامة فارقة في بث تجربته إلى الوسط ومدى تقبل الآخر لهذه
التجربة.
تتعزز اللحظة المرتقبة بعد نضوجها، ليشع بريقها الناجح بعد محاولات عدة في تتبع خطوات البدايات ومراقبة تطورها، لتكون وسيلة تعلم دائم يتجاوز خطوط الفشل والتحديات الحياتية المستمرة والتصميم على عبور جسور التجارب اليومية بخطى واثقة.
ومن هنا تبرز أمامنا الكثير من التجارب التي تخطت مراحل تعكزها وغيابها ومرارة فشلها لترسم لها خطاً واضحا في مضمار الكتابة وتنوع أدواتها، ليغادر الكاتب ندمه في بداياته وكسر تابو المحاولات الأولى بإصرار ومثابرة تفتح أمامه أبواب الإبداع والتجدد، معتمدة على توهج الموهبة، ونضوج الفكرة، ووسائل المثابرة هذا المثلث المهم في تطوير الذات المنتجة والمبدعة وتثوير الروح لتحقيق الأحلام التي أوقد شمعتها في أول
الطريق.