مطالب بتوازن الأشكال ووضع ستراتيجيَّة للفعاليات

ثقافة 2024/02/21
...

  صلاح حسن السيلاوي

بعد كل مهرجان شعري عراقي، تتصاعد موجات من الآراء على سطوح المشاهد الثقافيّة المتنوعة في البلاد، تحمل ما يدعم أو يدين أساليب إقامة فعالياتها أو مضامينها ، موجات تتدافع متسائلة عن مدى امتلاك، إدارات هذه المهرجانات لرؤية واضحة عن الشعر تمكنها من التعامل معه وأهله بطريقة منتجة، تساؤلات عن مدى تمكن المسؤول الثقافي على تقديم أسماء جديدة،  والانتهاء من مشكلة غياب جمهور الشعر، الجمهور الذي يأتي من خارج النخب الثقافيّة، عبر وسائل متعددة، منها الإعلان بطريقة متميزة؟  هل تقدم هذه المهرجانات تنوعاً شعرياً على مستوى الأشكال عموداً وتفعيلة ونثراً؟ لماذا لا لماذا لا يهتم الإعلام بالمهرجانات الشعرية العراقيّة؟ هل هو تقصير في إدارات المؤسسات الثقافيّة، أم جهل في مثيلاتها الإعلامية، أم أن المهرجانات لم تعد مؤثرة ومهمة حقا؟ وماذا عن مستوى ما يقدم من شعر فيها؟ وما المقترحات لتطويرها؟

مراجعة ومكاشفة
الشاعر الدكتور عمار المسعودي يجد أن المهرجانات بحاجة لوقفة جادة لقراءتها قراءة فاحصة بحثا عن فحواها وجدواها.
وتساءل المسعودي بقوله: هل هي تعيش متغيرات العصر الحديث؟
هل تمكنت من تقديم رؤية واضحة عما يدور من تغيرات كبرى على شكل القصيدة؟
هل فارقت الشفويات والمنابر؟
هل من غلواء الفحولة مضافا إليها غلواء الطوائف والأيديلوجيات؟
ثم أجاب على تساؤلاته قائلا: أظنها لم تتقدم بسؤال واحد من هذه الأسئلة.
كتل بشريّة شعريّة تنتظر منبرا معطوبا واحدا وبأوقات مضغوطة ولكأنما نحن نعيش زمن النشز من الأرض وهرولة الشاعر للفت انتباه قوم منشغلين.
لابد من مراجعة لِكَم المهرجانات التي لا طائل منها ولو وجهت هذه الأموال الطائلة لبناء دور ثقافية ومتاحف ومشاريع ترجمة الشعر للغات أخرى لكان أكمل وأفضل.
الشعر بعد ثورة الميديا يصل الآلاف بنبضة واحدة لذا على المهرجانات أن تتقزم كما تتشذب كما تشذبت وسائل الاتصال الأخرى السينما والتلفزيون والاذاعات والمجلات والجرائد.
أو يصار إلى مهرجانات متخصصة تقدم فيها نخبا حقيقية قادرة على حفظ وليس على حفظ كنه المؤسسات.
تنظر إلى كتل بشرية شعرية وتجد أن الذي يدير تفويجها هو شخص مبتل بتزاحم الأفئدة المتلهفة  على نافذته الذابلة.
أنا مع الرأي الذي يقول بالمراجعة الحقيقية والمكاشفة وصولا لرؤية حداثيّة لما يجري.

ستراتيجية منظمة في الفعاليات
الناقد زهير الجبوري يرى الفعاليات الشعريّة في العراق واحدة من أهم الممارسات الثقافيّة لأمر يتعلق بتفعيل الحراك الإبداعي في فن الشّعر مهما كانت مستوياته وتوجهاته، أما ما يخص المؤسسات وإدارتها في هذا اللون الإبداعي، فيعتقد ولا يجزم أن من حق كل مؤسسة أن تنهج منهجها في ذلك على وفق الضرورة الفنية والإبداعية الخاصة بها، لافتا إلى أن هناك من يجد في القصيدة العمودية الوزنية القدرة على امتلاك الصدارة، والبعض الآخر يجد الألوان الشعريّة الأخرى هي الأكثر ملائمة ومعاصرة.
وأضاف الجبوري مستدركا:  ولكن ما يؤسف أنها اعتمدت على الشللية في استقطاب الأسماء وهذا لا يتطابق مع أحقية فئة تستحق عن أخرى ..
المؤسسة لا تخلق اسما شعريا ، المؤسسة تشتغل على سياق تنظيمي في إدارة الفعاليات الشعريّة او الثقافيّة العامة ، والشعر باختصار شديد ابن النخبة وجمهوره يستمتع لتلقيه، لذا كانت القصيدة الشعبية أكثر وصولا من الفصيحة ، ويمكن للمؤسسة أن تخلق اسماء لهم تجربتهم وبصمتهم المؤثرة في الساحة عن طريق تهيئة وسائل الظهور في الميديا وفي المنصات التابعة لها .
فيما يخص تقديم المستوى الشّعري في المهرجانات، أقول هناك تفاوت بين مهرجان وآخر ، بمعنى إننا حين نحضر مهرجانا كبيرا وواسعا كالمربد مثلا نلمس هيمنة الشعر العمودي بالدرجة الأساس لأنه نبري وصوتي ويعتمد على الأذن الموسيقية التي تشد الحضور، وهذا بطبيعة الحال لا يقف عند التقييم الإبداعي والتحليل النقدي لفن القصيدة العمودية التي أصبحت من تراث الشعر العربي، إنما لحقيقة الخطاب الثقافي الذي تشهده خصوصية المهرجان ذاته، في حين هناك ملتقيات شعريّة كملتقى قصيدة النثر يقدم النموذج الفعال والموضوعي من الجوانب التحليلية لأنه نوعي
الاتجاه ..
ووسائل الاتصال لا تهتم في الوقت الحالي بفن الشعر وبجوانب الثقافة الأخرى بشكل مركز ، لأن الخطاب السياسي هو المهيمن في الساحة العراقيّة في الوقت الراهن وأثر الأزمات لا يزال موجود على أرضية الواقع بكل ألوانه وأشكاله ، لذا نلمس أن السائد في وسائل الإعلام ما تفرزه الخطابات السياسية التي يعتقد المجتمع إنها تمتلك مصيرها الوجودي، بينما الشعر هو ترف وذائقة وجمال واسترخاء عند الناس..
ككل، المستوى الشعري في المهرجانات لا يلبي الطموح مثلما نجده في تجارب الشعراء بشكل عام ، وهذا ينطوي على الإدارات التي انيطت لها هذا التنظيم ، من ذلك لا بد من وضع ستراتيجية دقيقة في توازن التجارب الشعريّة هذه وتقديمها بالشكل الذي يعبر عن هوية الشعرية العراقية، لأن رؤيا الأشياء بتوازن تحتاج إلى مهارة في قراءة الذائقة العامة للجمهور الثقافي والخاصة للنخبة ، مع ان الأخوة الأحبة والزملاء في جميع المهرجانات الشعريّة لديهم الخبرة في ذلك ، لكن ضغوطات المهرجانات ذاتها تفرز
الملاحظات.

المناهج الدراسية سببا
الشاعر فاهم العيساوي أشار في إجابته إلى  تنوع المؤسسات الثقافيّة تبعا للغايات التي أُسست من أجلها وهي باستثناء وزارة الثقافة الحكومية طبعا لها الحقُّ في أن تكون مهرجاناتها تخدم مصالحها العقدية أو أن تكون داعية للشعر بوصفه فنًّا من الفنون لكسب المتلقي فضلًا عن كسب الفنان سواء كان شاعرا أو ممثلا أو غير ذلك .
وأضاف العيساوي قائلا : أما وزارة الثقافة الحكومية فمن المفروض أن تكون لها رؤية واضحة عن الشعر العراقي وأنواعه ومبدعيه أو أن تنيط مهمة إدارة المهرجانات بشخصيات لها هذه الرؤية الواضحة عن الشعر في العراق والوطن العربي وأمّا عن الأسماء الجديدة أعتقد إننا ما زلنا بخير إذ نسمع بين حينٍ وآخر أن شاعرا ما قد علا نجمه في المهرجان المقام في إحدى مدننا الحبيبة، هذا فضلا عن الإعلان عن أسماء شعراء قد فازوا بمسابقات وطنية أو عربية أو حتى عالمية وهذا يدل على أن المبدع لا يمكن أن يغيب أو يُغيب؛ وأفترض أن المهرجانات لا تقتصر على شكل محدد من الشعر بالرغم من أن ذلك قد حدث فعلًا فهناك من القائمين على المهرجانات الحريصين على سلامة اللغة نحوا وصرفًا قد اقتصرت دعواتهم على شعراء الوزن وأبعدوا قصيدة النثر عن مهرجانهم وكذلك هناك من أدار مهرجانات خاصة بالنثر ادّعاءً منهم أنهم قد ملّوا الاستماع لسجع القافية وتكرار التفعيلات، أما بالنسبة للإعلام فأنا أرى أن الإعلام هذه الأيام محصورًا بما يشاهده المتلقي على شاشة التلفاز أو شاشة الهاتف الصغيرة ويبدو لي أن عالم الشعر قد ضاقت مساحته للحد الذي لم يدخل فيه إلا الشعراء أنفسهم وبالطبع لا استطيع بهذا المقال طرح الأسباب على كثرتها إلا أنني سأذكر سببا واحدا أسمعه بكثرة من عامة الناس هو أن الشاعر بواد وهم بواد بينهما جبل لا يتهدم إلا بالقصيدة العمودية القديمة واضحة المعاني، وهذا سببه المناهج الدراسية التي لم ترتق بمستوى المتلقي بل اقتصرت على نوع واحد من الشعر بالإضافة إلى أن بعض المتلقّين يعدون الشعر نوعا من أنواع الترف لا يناسب همومهم، أقترح أن تأخذ وزارة الثقافة دورها السيادي في فرض المنهاج الدراسي الذي تراه مناسبا لردم الفجوة بين الشاعر
والجمهور.

تعدديّة الصوت الشعري
القاص سلام القريني استهلّ رأيه  بالشكر لجريدة الصباح كونها تستطلع آراء المهتمين بالشأن الثقافي، وخصوصا ما يتعلق بالمهرجات الشعرية وآخرها المربد ٣٥ وقبله، وهذا ينبع حتما من الحرص على سلامة خطى المسيرة المعرفية في العراق بعد عقدين من حياة اجتماعية اقتصادية غير مستقرة يسودها الخراب وينخر جسد مؤسساتها الفساد والمحاصصة.
وأضاف القريني بقوله:  أي إدارة سليمة كاملة يمكن أن تصنع هيكلاً متكاملاً يقوم بواجبه على أكمل شكل، في ظل هذا الوضع  المتردي، وحتما لن يكون المنبر الثقافي بمعزل عنه وبالتالي يخلق وضعا مرتبكا يخرج بنتائج لا ترضي المنشدين لثقافة وطنية ترتقي بالإنسان وتسمو به.  
خصوصا  عندما يتعلق الامر بالاعداد والتحضير لفعاليات كبيرة على المستوى الوطني  في كل مرة نجد فريقين متعارضين متضادين وهو أمر طبيعي أن يكون هناك خلاف.
المريب أن يمس مشاعر واحساس المثقف المعني بخلق الجمال صاحب المنجز، صحيح  أن رضا الناس غاية لا تدرك،  لكن هذا لا يعني عدم التوقف والمراجعة أمام السلبيات ووضعها على طاولة البحث وتعزيز الايجابي وتعميقه،  تلك هي إحدى خصال العمل المؤسساتي، إن غابت فقدت الادارة ركنا من صميم عملها، وهي أيضا واحدة من تلك العقبات التي تقف بوجه المعنين الساعين لتحقيق توازنا منطقيا للرضا كأحد معايير النجاح .
نعم، المراقب والمتتبع يحتاج إلى الشفافية والمصداقية والبرنامج الواضح وإعلانه للجمهور الثقافي واشراكه في المناقشة لخلق ثقة متبادلة وبالتالي ستحل المهنية والكفاءة  والمنجز الوطني مكان الارتجال والمحاباة ويبعد المهرجانات عن الزلل الذي يتكرر في كل مرة.
نعم اتفق مع ضرورة تعددية الصوت الشعري وخلق توازن بين شعراء العمود وقصيدة النثر والتفعيلة وتقديم أصوات شعريّة جديدة اثبتت حضورا وانهاء ظاهرة تكرار الاسماء وافساح المجال أمام الاخرين وغلق الباب أمام  كل من لا يمت للشعر بصلة.  
والفت النظر إلى قضية غاية في الاهمية وهي الأموال الكبيرة التي تصرف على المهرجانات  في الوقت الذي هناك اتحادات لا تملك مقرا لائقا وبالأمكان تخصيص جزء من المبلغ  لهذا الأمر يدخل ضمن التوصيات .
أخيرا أن المهرجان وديمومته وفتح نافذة مع اتحادات العالم وشخصياتها الثقافية الرصينة سيساهم في رفع مكانة العراق أمميا.

المهرجانات لا تستوعب الشّعر العراقيّ
الشاعر رعد كريم عزيز قال: الكم الوفير للشعر العراقي بكافة تجاربه المتنوعة لا يمكن لمهرجان واحد أن يستوعب الاسماء والنماذج الباهرة ، إضافة إلى الاهتمام الإعلامي بالشخصيات الجماهيرية العربية سواء عن طريق العلاقات الشخصية او الوجود الإداري يجعل شخصيات تتصدر المشهد دون غيرها.
والعراق بالذات بلد يملك النخيل والشعر ، الجبال والأدب لذا لا تكفي قاعة واحدة ومهرجان واحد لتحديد ملامحه وارضاء الجميع.
وهناك مسألة مهمة تستوجب طرح السؤال التالي: هل المهرجان للأدباء والمثقفين ام للجمهور؟
لو كان للأدباء فقط فأن التخصص مهم هنا لاستعياب التجارب وعلينا أن نقيم المربد في البصرة ومهرجان السرد في الناصرية ومهرجان التشكيل في بابل والتراث في الموصل او في ديالى كي نحتوي التجارب ونستفيد من الأمر باعتباره مهرجانا للأدب والفن والسياحة كما تفعل مهرجانات السينما مثلا.
اما اذا كان للجمهور فعلينا أن نختار المكان المناسب فمثلا نقيم مهرجانا للشعر في كلية للآداب في اية محافظة لاننا نكسب جمهورا وفيرا متعلما وهو يناسب قيمة الادب والشعر وحكاية قصيدة «أنا وليلى» للشاعر حسن المرواني خير مثال للشهرة والاستيعاب والتقبل.
وعلينا أن نتقبل المهرجان كمهرجان للعرض والشهرة والمتعة، وأن لا نفكر بالمهرجان وكأنه رسالة دكتوراه او كتاب منهجي او قاعة درس بمنهاج صارم ، كي نتمتع بحرية بما يقدم من أدب وشعر وفن .
وأضاف عزيز قائلا : ومسألة مهمة أخرى أن الشعراء الحاضرين أغلبهم لا يحضرون الجلسات ويتبعون مزاجهم الانتقائي في الحضور والمساهمة وأغلبهم يشتكون من التمييز بينهم وبين الضيوف من دول أخرى بالسكن في الفنادق واجور السفر مما يسبب ردود افعال غير محسوبة تؤدي للانتقاد وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي .
وعلى العموم فإن المهرجان يبقى مهرجان للتواصل واللقاء والتعارف ولا يرقى إلى مستوى ثقافي متميز ولا يشكل نقلة نوعية في الاشكال والمضامين سيما مع انتشار وسائل التواصل والفضاء المفتوح للكتابة في المواقع والصحف ورخص الطباعة.
وخير شاهد على ما تقدم معارض الكتب إذا جاز لنا أن نطلق عليها اسم مهرجانات فهي تحقق الفائدة والمتعة والتسوق والحضور الأدبي والامتداد الزمني لأكثر من يوم .
واذا نظرنا إلى الدعوات في اي مهرجان فأن اي اتحاد او منظمة لا يمكنه استيعاب الجميع اذا كان الدعم المادي شحيحا والحضور الرسمي يحجز المقاعد للحمايات أكثر من مقاعد الشعراء والأدباء والفنانين.
المهرجان يبقى مهرجان …وعلينا أن نفكر بكيفية إدارته لتحقيق الفائدة في الأدب والفن والمتعة والسياحة والانتشار …كما تقام المهرجانات العالمية التي تستوعب الجميع وتحصد الأرباح ويحصد الفاعلون فيها الجوائز والشهرة والمال كذلك.