«عذراء سنجار» في مواجهة السينما العراقيّة

ثقافة 2024/02/21
...

 وارد بدر السالم

لا لأنها روايتي، بل لأنها رواية عراقية، تقدمت على غيرها بالترجمة والنقد وعدد الطبعات والنقد العربي المواكب لها، عدا الدراسات الأكاديمية في الماجستير والدكتوراه التي أولتها عناية استثنائية في التحليل المنهجي، ومن ثم الفوز المستحق لها مرتين في عام 2019 عندما فازت كأفضل رواية في وقتها، ثم تجدد الفوز عام 2023 كسيناريو كتبه المخرج سعد نعمة.
لم تكن “عذراء سنجار”؛ بخصوصيتها السردية المحلية؛ رواية مرحلة عابرة وسردية حدث وقع في مدينة سنجار شمال العراق، بل لأنها انتصرت جمالياً لمصير عراقي عبر المكوّن الأيزيدي الذي عانى من مرارة الاحتلال الداعشي في قضاء سنجار، في عام 2014 وفي اليوم الثالث من شهر آب- أغسطس منه. فكانت الصوت الواضح لتلك المأساة الوطنية التي عمّت العالم الحر بشعوبه التي استنكرت جريمة الغزو وممارسات عناصره اللاأخلاقية، والقسوة المفرطة التي مارسها المحتلون الداعشيون من قتل وتدمير، ومحاولة محو المكان، وطمس الهوية الأيزيدية بطريقة همجية لا تمت إلى الإنسانية بصلة.
لم تقف الرواية على موضوعة الاحتلال وتداعياته الخطيرة على الشعب الأيزيدي الذي تعرض إلى القتل والتهجير، مثلما تعرضت نساؤه إلى السبي والاغتصاب والسجن والإذلال، بل ساهمت في خلق مناخ حواري بين شخصيات الرواية، وهو مناخ متوتر بالرغم من إحكام السيطرة عليه، في تداعيات حرّة قالها الأيزيديون الذين نجوا من المذبحة، وبقوا في سنجار أسرى المكان والحالة، فأتاح هذا لهم مناقشات آلية الدين الأيزيدي وأخطاء التاريخ الكثيرة التي جعلت من وجودهم أن يتعرض إلى 73 غزواً خارجياً. وهذه إحصائية تاريخية لا مجال لإنكارها أو تجاوزها.
الإبادة الجماعية التي طالت الأيزيديين ومخلفات الغزاة الدموية التي خرجت عن سياقات النظام البشري، واتجهت إلى همجية حيوانية مريبة، كانت إحدى أسس الرواية التي اعتمدت أنظمة الإخبار والاسترجاع والتداعيات والتوثيق والواقع والخيال في خطوط متوازية لتقريب الأثر الوحشي الذي نال من أبرياء سنجار، رجالاً ونساءً وأطفالاً، فجاءت في ثلاثة أجزاء طويلة هي: (عذراء سنجار- بنات لالش- حوريات الجبل) ومن عنواناتها الأنثوية يتوضح السياق النفسي والواقعي الذي سارت عليه هذه الملحمة الأيزيدية؛ إذ كان الثقل الأكبر من المأساة قد وقع على النساء الأيزيديات، والمعاناة الأكبر كانت على أكتاف بنات ونساء سنجار، العذراوات منهن والمتزوجات على حد سواء. بل حتى الصغيرات اللواتي لم يرينَ جمال الحياة بعد. إنما فوجئن بالوحشية الذكورية التي خطفتهنّ من أحضان الحياة.
مع نهاية عام 2023 حصل سيناريو “عذراء سنجار” الذي كتبه المخرج والسينارست سعد نعمة على الجائزة الأولى الوحيدة في جائزة الإبداع العراقي السنوية التي تقيمها وزارة الثقافة والسياحة والآثار. بعد تقييم لجنة متخصصة للسيناريوهات، وهذا الفوز المثالي الوحيد، أعاد الرواية إلى واجهة السينما مرة أخرى، بعد أن كانت مخرجة بلجيكية تعمل في هوليود، قبل ثلاث سنوات، قد طلبت إخراج الرواية كفيلم عالمي يشير إلى هذا النوع من الجرائم الداعشية الوحشية؛ غير أنها اصطدمت بموضوع التمويل المالي المُكلف لإخراج الرواية. والطلب ذاته كان رغبة من مخرج إيراني، إلا أن التمويل المالي والإنتاج حالا من دون أن يتم مشروع الفيلم. حتى أعاده السينارست والمخرج سعد نعمة بهذا الفوز إلى واجهة السينما العراقية، لتكون أمام أنظار مَن يعنيهم الأمر في وزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح المعنية بتقديم فيلم روائي طويل أنموذجي عن مرحلة حرجة من عمر العراق الجديد. وهي المرحلة ذاتها التي أحرجت البلاد والعباد في تشتت شبه جماعي، كان يريد أن ينال من العراق كله، تحت وجهات نظر طائفية متطرفة وحساسة قادها تنظيم متطرف مشبوه المنشأ اسمه تنظيم الدولة الإسلامية: داعش.عذراء سنجار تقدم أنموذجها الحي في ملحمة وطنية تحت ثلاثية متكاملة، حاول السينارست والمخرج سعد نعمة، أن يسير على خط إنساني درامي ذي وجهة مباشرة عن القضية الأيزيدية، وتقديم الحالة الإنسانية على غيرها، كمشروع فني يمكن له أن يكون أكثر وضوحاً في الفيلم السينمائي، فالرواية التي مزجت بين خطّي الواقع والخيال، وهذا ما تتطلبه السرديات الحيّة، ستكون السينما بمنأى عن هذين الخطين تقريبا، إذ أنها معنية بالمشاهَدة البَصَرية، على عكس الرواية المعنية بالقراءة والتخيل. وأظن أن السيناريو الفائز سيتيح لمشاهدي السينما رؤية ما لم يكن قد رأوه في أفلام توثيقية كثيرة سجلت الكارثة بعفويتها، إذ أن الإخراج السينمائي سينفرد بموضوعته، ويقدمها بَصَرياً بتقنيات جديدة ستعيد إلى الأذهان واقعاً عراقياً مريراً عاشته الأيزيديات والأيزيديون في ملحمة مؤلمة استمرت بحدود سنتين من الاحتلال الخارجي.وزارة الثقافة والسياحة والآثار معنية تماماً بأن يكون لها حضورها في هذا الفيلم المقترح، ودائرة السينما والمسرح عليها أن تستعد لأن تتحمل مسؤوليتها الأدبية والفنية بتبني هذا الفيلم، فهو واجهتها إلى الخارج السينمائي العالمي، خاصة وأنها مدعومة بخمسة مليارات دينار لتحريك الوضع الراكد في السينما العراقية. ونرجو أن يكون لسيناريو عذراء سنجار استثناء مالياً يستوعب متطلبات مثل هذا العمل السينمائي العراقي الضخم.