سامر المشعل
أول محطة للفنان ناظم الغزالي خارج العراق كانت فلسطين، وهي المرة الأولى التي يسافر فيها في حياته، وكان ضمن وفد فني ضمَّ مجموعة من الفنانين العراقيين للترفيه عن الجيش العراقي والجيوش العربية، التي ذهبت تقاتل قوات الاحتلال الصهيوني في العام 1948.
وهناك لعب الغزالي دوراً كبيراً وبارزاً في الكشف عن موهبته في غناء المقام العراقي، وقد أحب الجنود صوته وكانوا يستمتعون بغنائه، وكان هو الآخر مؤنس لياليهم في فلسطين وشاحذا لهممهم في مقارعة العدوان الاسرائيلي، وكان مع الغزالي الموسيقار سالم حسين عازف القانون، والذي أصبح في ما بعد قائدا لفرقته الموسيقية ورفيق دربه حتى رحيله بالعام 1963.
اللقاء الأول للغزالي بالموسيقار روحي الخماش كان في نابلس أثناء تواجده في فلسطين، وعندما جاء الخماش إلى العراق توطدت علاقته به، وأصبح استاذه على آلة العود.
وقدم سفير الاغنية العراقية ناظم الغزالي العديد من الاغاني والمقامات إلى القضية الفلسطينية، ومنها مقام بعنوان "وحشة الثأر" في العام 1956.
فلم تكن قضية فلسطين ونصرتهم ودعمهم في مختلف السبل، وعلى جميع الصعد وليدة ردة فعل عاطفي أو سياسي، وإنما تجسدت بمبدأ تجذر بالروح العراقية أخلاقيا وإنسانيا للتضامن مع الشعب الفلسطيني ماديا ومعنويا، وكان الجيش العراقي من طلائع الجيوش العربية، التي وصلت إلى فلسطين واستبسلت بالدفاع عنها ضد قوى الاحتلال الصهيوني بالعام 1948، وهناك مقبرة للجيش العراقي في جنين تضم رفاة 44 من الجنود والضباط العراقيين الابطال الذين استشهدوا على ارض فلسطين.
وعلى المستوى الثقافي وتحديدا في مجال الموسيقى والغناء، فقد قدم الفنانون العراقيون من الجيل القديم والجديد عشرات الاغاني، التي تنادي بحق الفلسطينيين بالعيش بعز وكرامة في ارضهم المغتصبة والدفاع عنها منذ أكثر من سبعين عاماً.
وقد وقدم قارئ المقام الاول الفنان محمد القبانجي أغنية لفلسطين من كلماته والحانه بعنوان "صلِ وسلم بالحرم"، بل أغلب المغنين والموسيقيين العراقيين انتجوا أغنية أو قطعة موسيقية من نفقاتهم الخاصة تساند وتآزر الشعب الفلسطيني.
بالمقابل فقد احتضن العراق العديد من الفنانين الفلسطينيين، الذين نمت مواهبهم وتعشقت بأرض العراق، وامتزجوا روحا وجسدا بهذه الارض وأصبحوا عراقيي الهوى في الأفكار والمشاعر، ومنهم الفنان محمد حسين عبد الرحيم والفنان زهير محمد رشيد والفنان جلال كامل، والموسيقي جلال قشطة، ولعل ابرزهم الموسيقار روحي الخماش، الذي جاء إلى العراق في العام 1948 وعمل على تطوير الموسيقى العراقية، التي عشقها حد التماهي معها، وأسس العديد من الفرق الموسيقية، ومنها فرقة الموشحات وفرقة خماسي بغداد وفرقة الانشاد العراقية.. وغيرها، ولم يبارح العراق الذي احبه وشعر بمحبة أهله له حتى مات فيه في العام 1998.