مطولات وملاحم

ثقافة شعبية 2024/02/22
...

كاظم غيلان 



يسهم تدني الوعي الشّعري في بناء ثقافة هشة سرعان ما تتلاشى حال اصطدامها بأول مصدات الوعي ، وما من أحكام مبالغ بها إلا وكان لذلك التدني دور في صياغتها. 

في وسط شعر العامية العراقيَّة وفي ظل خدمات السوشيال ميديا والبعض من وسائل الإعلام الهابطة تطالعنا الأحكام الجاهزة والمبالغة لترينا ما وصله تراجع الوعي من حال مخيف.

من يجهل ماهية الشعر الملحمي ومميزاته يصف كل قصيدة مطولة من حيث عدد أبياتها الشعرية بـ( الملحمة) ومهما كان موضوع هذه القصيدة .

برزت القصائد الملحمية كذلك المطولات الشعريّة بنماذجها المتعددة تقليدية وحديثة .

كتب عبد الواحد المعلة قصيدته الشهيرة ( الخرانيب ) والتي تبدأ وتنتهي بصوت الشاعر، وفي بناء فني لافت، وسجلت حضورها المهم ليومنا هذا، مما يؤكد قدرة الشاعر وقوة موهبته.

في الاتجاه الحديث، كتب طارق ياسين قصيدته المعروفة (حلب بن غريبة ) المأخوذة عن قصة لفهد الأسدي نشرها ضمن مجموعته ( طيور السماء) ولي ذكريات معها، ففي ظهيرة لاهبة في صيف سبعيني زرت طارق لداره الواقعة بمنطقة ( حي عدن ) وقمت بنقلها في دفتر مدرسي  بواقع (37) صفحة، نقلتها حرفيا بما فيها إشارات بالقلم الرصاص فهمت من خلال طارق إنها للأديب والمحامي 

(محمود العبطة) . وهذه القصيدة لعلها واحدة من قصائد طارق المهمة، بل وواحدة من القصائد التي تفخر  بها حركة التجديد التي شهدها شعر العامية العراقية .

لـ( علي الشباني ) مطولات شعريّة أخذت طابعا عنقوديا - مقاطع عديدة منفصلة يربطها موضوع واحد - كما في قصيدته الباهرة(خسارة ) والأخرى التي لاتقل أهمية عنها( أيام الشمس).

بخلاف الجميع كتب مظفر النواب قصيدته الكبيرة ( حجام البريس) وهي ملحمية بكل ماتعنيه الملحمة الشعرية، ولعل تعدد وتشابك الأصوات مايبرهن على ذلك، وهذا يتصل بما عرف عنه مظفر من وعي شعري وتجربة سياسية عميقة .

وإذ أورد هذه الأمثلة، لايعني إهمال العديد من القصائد المطولة كـ( أغاني الدرويش رقم ١) لعزيز السماوي و

(مناجل) لكاظم الركابي ، إلا أن القصيدتين لن ترتقيان لـ

(الملحمة) التي لها اشتراطاتها الفنية .

ان مايفعله الحماس الذي تنتجه العواطف يدفع بالعديد من المتمنطقين لاطلاق أحكامهم الجاهزة في تسمية أي قصيدة تثير اعجابهم بالـ(ملحمة) دون أن يكلفوا أنفسهم البحث عن معناها .

ويظل الوعي الشعري المنقذ الوحيد للشاعر، وبدونه يظل أسير المجانية والسهولة .