أضواء المترو

اقتصادية 2024/02/22
...

عبد الزهرة الهنداوي



تعاني شوارع العاصمة بغداد ذات التسعة ملايين نسمة، من اختناقات حادّة، بسبب تزايد أعداد السيارات المتحركة في تلك الشوارع، اختناق يُشعرك أحياناً وكأنك تفقد الأوكسجين،!! ففي بغداد وحدها نحو 3 ملايين سيارة، بمختلف الأحجام والأشكال والموديلات، من أصل أكثر من 7 ملايين سيارة في عموم العراق، ومن المؤكد أنَّ هذا الرقم يزداد نهاراً، نتيجة الحركة من المحافظات إلى بغداد، لأسباب تجارية وصحية وسياحية، وعلمية وعملية.. إلخ.

ومما لاشك فيه أنَّ هذه الزيادة الصارخة في أعداد السيارات الداخلة إلى العراق، تعكس بنحو واضح، تحسناً ملحوظاً في الوضع المعيشي للسكان، لذلك صار بإمكان الأغلبية منهم، اقتناء سيارة، مع وجود تسهيلات وقروض مصرفية واسعة، سهلّت إمكانية شراء السيارة، لاسيما لدى موظفي الدولة، وهذا واضح من خلال امتلاء ساحات ومرائب المؤسسات الحكومية بأعداد كبيرة من السيارات العائدة لمنتسبيها.

ومع اشتداد حالة الاختناق، بادرت الحكومة إلى الشروع بتنفيذ باقة كبيرة من المجسرات والأنفاق، في عموم العاصمة، لتفكيك هذا الاختناق قدر المستطاع، إلا أنَّ المشهد يبدو على المدى الطويل، مخيفاً، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه، وبقيت أعداد السيارات تتضاعف كل بضع سنوات!!

وثمة سؤال هنا: لماذا لا نرى حالة الاختناق في عواصم أخرى تماثل بغداد أو أعلى منها سكاناً؟ والإجابة لا تحتاج إلى الكثير من التفكير، فبغداد تفتقر إلى النقل العام، بينما تتمتع العواصم الأخرى بشبكات متطورة في هذا المجال، في شتى أنواع المواصلات.

ولنأخذ على سبيل المثال العاصمة الكورية الجنوبية سيئول، التي تمثل تجربة رائدة، في الاعتماد على النقل العام، فالزائر لتلك العاصمة، يشاهد بوضوح، ألوان الباصات، الزرقاء والصفراء، والخضراء والحمراء، والباصات الليلية، ولكل لون مسارات محددة في الشوارع، يضاف لها المترو، وسيارات الأجرة، وهذا يجعل الناس في غنى عن استعمال السيارات الخاصة، لأنَّ التنقل بواسطة النقل العام أسرع وأرخص وأكثر أماناً، فأنت تصل إلى أبعد نقطة تريد الوصول إليها بدقائق معدودات، وبكلفة زهيدة جداً.

ولكن ما مدى إمكانية أن يظهر النقل العام في العاصمة بغداد؟

أعتقد أنَّ ذلك بالإمكان، إلا أنه يحتاج إلى مدى زمني لنتخلص رويداً رويداً من ثقافة (برستيج) السيارة الخاصة، والتنقل عبر المترو أو باصات النقل العام، ومن هنا يأتي مشروع مترو بغداد، كأول مشروع ستراتيجي سيسهم في التخفيف بنحو ملحوظ من حالة الاختناق المروري في العاصمة، والجميل في مترو المستقبل، أنه سيكون مشروعاً استثمارياً بالكامل، مع عدم وجود تعارضات تعرقل تنفيذه، لأنَّ مساراته ستكون في محرمات الشوارع، بمعنى أنَّ المشروع لن يكون بحاجة إلى استملاكات للأرض، التي غالباً ما شكلت عقبة أمام الكثير من المشاريع.. وسينتظر البغداديون بشغف إنجاز هذا المشروع، لتنعم بغداد بأناقة المترو الذي سيمثل إضافة خدمية وتنموية مهمة، إذ ستغطي مساراته أكثر من 85 % من مساحة العاصمة، كما أنه سيسهم بنقل ثلث سكان العاصمة أي نحو 3 ملايين إنسان يمكنهم التنقل يومياً في المترو البغدادي، ولنا أن نتصور حجم فرص العمل التي سيوفرها المشروع، والحركة الاقتصادية والتنموية التي ستتحقق منه، لاسيما إذا ما تكامل مع شبكة الطرق، التي ستشهدها العاصمة، وفي المقدمة منها الطريق الحلقي الذي سيعيد إلى الأذهان، بغداد المدوّرة.