الملتزم.. عبد العزيز مخيون

ثقافة 2024/02/26
...

علي حمود الحسن
نشرت قبل أيام، على صفحتي الشخصية في الـ"فيسبوك"، صورة لقائي مع الممثل القدير عبد العزيز مخيون، على هامش تواجده ضيفا في مهرجان بغداد السينمائي الأول، فلفت انتباهي إجماع معظم المعلقين – من أجيال ومستويات مختلفة- على محبة هذا الفنان، الذي عشقه الجمهور العراقي في دور طه السماحي في المسلسل الشهير" ليالي الحلمية"، اذ اجمع معظم المعلقين على توصيفه بـ "الملتزم"، الذي يعني في بعض ما يعنيه أن الفنان مخلصا لأفكاره ورؤاه وانحيازه لهموم الناس، وهذا بالضبط ما فعله مخيون على مدار مسيرته الفنية الحافلة.

مخيون المولود في ابي حمص/ محافظة البحيرة عام 1946، شغف بالموسيقى والمسرح منذ بواكير طفولته، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج فيه.. خاض تجربة فريدة، متأثرا بما كتبه يوسف ادريس، والناقد د. علي الراعي صاحب كتاب" مسرح الشعب"، في تأصيل مسرح مصري ينتمي للناس، فعاد الى "أبو حمص" وأنجز مسرحيات قدمها الفلاحون أنفسهم، والطريف أنه اتخذ من الحقل والساقية مسرحا وكان الجمهور من الفلاحين.

مخيون الناحل والثقفي المزاج، كان خجولا وذا محمول معرفي عال، دخل عالم الاحتراف من أضيق أبوابه، فهو لا يجيد العلاقات العامة، ولا يقبل باي دور، ما أضاع فرصا كثيرة، ومع ذلك ظهر مخيون بأكثر من 46 فيلما منها: الكرنك"، و"حدوتة مصرية"، و" الهروب"، و" الجوع"،  و83 مسلسلا، ابرزها : " ليالي الحلمية"، و"الشهد والدموع"، و"الجماعة"، " أبو ضحكة جنان"، و"سقوط الحضارة"، و" زيزينيا"، فضلا عن العديد من المسرحيات والأفلام القصيرة.

 التمثيل من وجهة نظر مخيون موهبة ودربة وخبرة حياة، فالممثل كما صرح مرة لجريدة الشرق الأوسط، هو" من يذوب في الشخصية ويتقمصها ويعطيها من روحه إحساسه"

ألقت السياسة ظلالها على فن مجسد شخصية عبد الوهاب في مسلسل "ام كلثوم"، و" السندريلا"، و"أبو ضحكة جنان"، فكان معارضا لكل من ينتهك حقوق الناس، على الرغم من انتمائه الى  أسرة من اغنياء الريف، مقتربا من الأكثر تطرفا في الرفض، اذ كان صديقا للكاتب المسرحي والشاعر نجيب سرور، وقريبا من الشاعر الجميل امل دنقل، الذي كان يلقي اشعاره، وقد سجل بعضها بصوته، لا سيما قصيدة "لا تصالح" ..لكنه كان أيضا قريبا من الناقد والكاتب لويس عوض، الذي حاوره في باريس، حينما كان يكتب نقدا وحوارات وتقارير صحفية، بعد حصوله على منحة لدراسة المسرح، كما ألهمه المهندس المعماري الشهير حسن فتحي، صاحب نظرية "عمارة الفقراء"، الذي أثر كثيرا في محاولته تأصيل الفن المصري.

هذه التجربة الثرة والعصامية صاحبها دماثة خلق وصلابة وممانعة، فضلا عن محمول ثقافي، فهو بالإضافة الى ما ذكرنا، لديه اهتمام بالفن التشكيلي، حتى انه دعاني الى محاضرة عن الفن التشكيلي يلقيها في الكرادة، رغم انشغاله في فعاليات مهرجان بغداد السينمائي.