(الشمّاعات) الوهمية

الرياضة 2024/02/26
...

علي رياح



إيقاع الدوري أصبح الآن أكثر سرعة، وربما أيضاً أكثر صخباً، وبعد ست عشرة جولة من المسابقة تثار قضايا وشجون وربما مشكلات خصوصاً حين تأتي الخسارة، وهذا يعني بالضرورة البحث عن (شماعات) وهمية لتُعلّق عليها بعض الفرق أخطاءها، أبرزها المدربون الذين يجدون أنفسهم في كل مرة هدفاً للانتقاد والإطاحة.

وللأسف فإن هذه الإسطوانة المشروخة ستدور كلما مضينا في دوري نجوم العراق واقتربنا من موعد تحديد ملامح الأبرز والأسوأ على حد سواء، وهو ما نسميه بموعد التقييم.

ولا أملك في هذا الخِضم المتلاطم الذي يتقاذف مصائر المدربين المساكين إلا أن أنقل قصة قصيرة نشرتها مجلة (سبورت الستريتد) أي (الرياضة المُصوَّرة) في أحد أعدادها الأخيرة.

تقول القصة: استغنى أحد الفرق عن خدمات مدربه وتعاقد مع مدرب جديد. وأثناء الاستلام والتسليم بين المدربَين القديم والجديد، قدّمَ المدرب القديم لبديله مُغلّفين مُغلقين وقال للمدرب الجديد: إذا وجدتَ أن عملك لا يسير كما يجب فما عليك إلا أن تفتح المُغلف الأول. وإذا ما وجدت بعد ذلك أن عملك يتراجع أكثر فأكثر وساءت الأحوال بينك وبين النادي فعليك بفتح المُغلف الثاني.

ومَضتْ الأيام. ودارت رحى المباريات، وإذا بنتائج الفريق تسوء. وإذا بترتيبه يتراجع، ففتح المدرب الجديد المُغلف الأول ووجد الكلمات التالية: (إنك لستَ المسؤول عن هذا التدهور فسوء الأحوال سببه المدرب القديم)

ولمّا أصبحت النتائج في وضع أكثر سوءاً، ولم تجد من يوقف تداعيها.. قرّرَ المدرب الجديد فتح المُغلف الثاني. فوجد النصيحة الآتية:(بإمكانك الآن تحضير مُغلفين اثنين لتسلمهما إلى المدرب القادم)

لم أجد أنسب من هذه القصة ملاذاً بعد إطاحة اثني عشر مدرباً والدوري عندنا لم ينتصف بعد، وإزاء ما أسمعه عن المصائر التي تنتظر المدربين في كل زمان ومكان. فهم أناس تخصّصوا في إظهار الشكوى دائماً، لأنهم (ضحايا) الأداء السلبي والنتائج المتدهورة.. أما اللاعبون.. أما الإداريون.. أما الجمهور، فغالباً ما يأمنون السؤال والمساءلة. وقد أصاب المدرب السابق رون غرينوود كبد الحقيقة ذات يوم عندما انتقدته الصحافة انتقاداً لاذعاً بسبب خسارة المنتخب الإنكليزي أمام نظيره النرويجي بداية العقد الثمانيني، فقال: (في الحقيقة إن مستقبلي ليس بيدي. فعندما يكون أي منكم في موضع مدرب، فإنه يجب أن يتقبّل أن يكون مستقبله بين أيدي غيره من الناس).

من العسير علينا دائماً خوض تجربة مختلفة.. تجربة البحث عن (ضحايا) آخرين غير المدربين في كل تقييم، فالتدريب مهنة تعني أن يدفع صاحبها ثمن أخطائه وأخطاء غيره. وللأسف، فإن قسماً كبيراً من جمهورنا اعتاد أن يجعل من النتيجة الإيجابية إكليلاً من الورد ليطوِّق به أعناق اللاعبين وحدهم. أما المدربون – في حالة الفوز – فليس لهم إلا الانزواء خجلاً وربما أسفا،ً لأنهم يرون غيرهم يأكلون الحصرم في حين تضرس أسنان المدربين.

شيئاً فشيئاً سيقترب موسم التقييم، وتكون جهود المدربين قد أينعت وحانَ قطافها من قبل اللاعبين، أما الفرق التي لن تحقق ما كان ينبغي أن تحققه، فهي الآن تعدّ العدّة لقطاف آخر هو أرزاق المدربين وأعصابهم وقلوبهم ومصائرهم.