سعد العبيدي
كأننا نتجه في عراق اليوم نحو البداية، نكوصاً إلى تلك الأيام التي كنا نجلس في صباحاتها، لنجد على رصيف الشارع المقابل لبيوتنا جثة مغدور، لا أحد يعرف من غدره، ومن ألقاه بلا حياء إنساني مقطوع الرأس، وصلنا حدودها حالة مرعبة في تلك الأيام السوداء، لأن مؤسسات الدولة الضابطة آنذاك كانت تعرف القتلة وأصولهم وانتماءاتهم، تتابع كامل خطواتهم منذ الخروج من مكامنهم حتى مشوار الالقاء على الرصيف، أو على حافة ساقية، أو بستان، لكنها لا تجرؤ على الإعلان والمحاسبة محاباة للبعض، وخوفاً من البعض الآخر، عندها تمادى الفاعلون، وانتقلت عدوى الغدر إلى الشارع، تلقفها الانسان الجاهل غير المنضبط، وضع لها اسعاراً لأشكال القتل في سوق سوداء وصلت حدود الخمسة والعشرين ألف دينار للرأس الواحد، والآن وبعد عقد من ذاك الزمان الغابر وأكثر، تكرر الغدر في الناصرية والعمارة، وزحف إلى بابل، ومن ثم إلى بغداد، العاصمة، حالات غدر ومحاولات في العلن، باتت تتزايد نسبها، لتنذر باحتمالات العودة إلى تلك الأيام المليئة بالكوابيس، إذا لم تتجاوز مؤسسات الدولة المعنية حدود الحياء السياسي، وتعلن صراحة من وراء هذه الاغتيالات، ومن هم المنفذون الحقيقيون، خاصة وان الاغتيال الحاصل غالبه سياسي.
إن حماية المجتمع من الوقوع في مستنقع الاغتيال مسؤولية الحكومة، وسلطاتها القضائية والأمنية، وكل الأحزاب المشاركة في تشكيلها، عليها أن تسارع لإيقاف الغدر السياسي منه على أقل تقدير، قبل اتساع الرقعة، ودخول الحلبة أطراف الضد من المستهدفين والقلقين، وقبل دفع الجميع ثمن الفوضى والاضطراب الأمني، وتعطل مشاريع البناء التي شرعت في مجالها الحكومة، وبدأت خطوات ملموسة في أكثر من مجال، علماً أنه، وفي مثل هكذا ظروف تنذر بالأسوأ، تظهر السلطات الضابطة في المعتاد حزماً، وتضاعف جهودها في الردع، وتتجاوز حياء السياسة، لتعيد البوصلة إلى اتجاهاتها الصحيحة.