د. أثير ناظم الجاسور
يتساءل البعض عن ما جدوى السؤال بين المشروع والأيديولوجيا لبلد مثل العراق يمتلك من القدرات والمقومات ما تؤهله للريادة وتصدر المراكز المرموقة؟، الفكرة تنطلق من ضرورة إعادة قراءة النسق السياسي - الاجتماعي للعراق من خلال التحقق فيما إذا كانت عملية إدارة الدولة متبنى فكرية متطورة، أم أنها أنساق فكرية ضيقة تنسجم مع الرؤية الشخصية أو الجماعاتية لمن في السلطة،
قد يختلف أو يتفق المهتمون بفكرة بناء الدولة وفق الأسس العقلانية والمنطقية، أنها مرت بمراحل عدة غيرت من مزاج الدولة على الصعيدين الفكري والإداري، لما له علاقة بمسببات عملية النهوض والهبوط في مختلف التفاصيل، لا سيما أنه يقع ضمن إطار جغرافي منتج للاستقرار وعدم الاستقرار بذات الوقت، خصوصاً وهو يمتلك المحركات التي تتناسب مع المتغيرين، ابتداءً من فكرة تأسيس الدولة انتهاءً بمجموعة من المؤثرات التي تساعد على وضع المعوقات، التي تستهدف طرح الرؤية التي تتضمن عملية البناء، وهذا يُحيل الكثيرين إلى التفكير ضمن مساحة التهديد والخوف من تحديد العناصر الأساسية، التي تعمل على قيام دولة مستقرة على مختلف الصعد، طيلة هذه المراحل التي جعلت من العراق كرة ثلج تدحرجت لتحمل معها كل ما له علاقة بعمليتي التطوير والتأخر حملت معها الصورة النمطية التي رسمها من حكم ومن خطط ومن أثر، لتعكس ضرورات التعامل مع كل مرحلة وفق متبنيات خارج إطار المساحة الجغرافية، وما تحتويها من أدوات ساهمت في تعزيز الفرعيات التي شوهت فكرة بناء مشروع الأمة العراقية على اقل تقدير وإن قل انصارها.
لعبت الفرعيات وقضايا الميول الأيديولوجي والتخندق الهوياتي بمختلف أنواعها دوراً في ترسيخ أفكار هددت الدولة في تماسكها الاجتماعي، والذي يعد الأخطر على طول مسيرة الدولة التي كما يصفها العلماء والمفكرون، بأنها شبيهة بدورة الحياة الانسانية التي تبدأ بالطفولة، وتنتهي بالشيخوخة، من ثم باتت التشخيصات، سواء الصادرة عمَّن تسلم زمام السلطة أو من قبل مفكرين الاجتماع والسياسية، تدفع صوب عملية الانقسام المجتمعي، التي باتت من بديهات الحالة الوصفية العراقية، التي ابتدأتها مقولة الملك فيصل الأول إن صحت عن بلد التجمعات البشرية، والكتل قاصداً بها العراق، هذا إلى جانب العنف المستمر في عملية التغيير، الذي بات سمة لكل نظام جديد يحاول الوصول إلى الهرم أو القمة الشاهقة، التي لا تستند على أرضية صلبة، وهذا ما نراه من جراء عملية السقوط السريع لكل نظام سياسي أراد الاستقرار عليها من خلال تدرجية غير منطقية تم الاعتماد عليها في سبيل الاستمرار والتثبت.
قد يتساءل البعض عن ما جدوى السؤال بين المشروع والأيديولوجيا لبلد مثل العراق يمتلك من القدرات والمقومات ما تؤهله للريادة وتصدر المراكز المرموقة؟، الفكرة تنطلق من ضرورة إعادة قراءة النسق السياسي - الاجتماعي للعراق من خلال التحقق فيما إذا كانت عملية إدارة الدولة متبنى فكرية متطورة، أم أنها أنساق فكرية ضيقة تنسجم مع الرؤية الشخصية أو الجماعاتية لمن في السلطة، من جانب آخر قراءة معمقة لدور المحركات الاجتماعية ودورها في تعزيز فكرة الوطن والمواطنة، من خلال توظيف الخطابات الاجتماعية والسياسية والدينية، والابتعاد عن التصنيفات التي تعمل على تجزئة النُخب، وفق متبنيات الهوية السياسية على اقل تقدير، من ثم التوصل لعملية تفكيك العُقد الصلبة التي تلتف حول الأفكار وتنتج جملة من الأفكار المنغلقة التي تدعوا إلى التطرف والنظر صوب الآخر المجهول المُهدد للهويات والكيانات البشرية، التي عززت وجودها بالدرجة الأساس الفكرة التي اعتمدت على النقل بعيداً عن القراءة والتدقيق المنطقي.
بالضرورة تحديد البدايات التي تؤسس لمقدمات منطقية لعملية بناء الدولة وفق فن الحكم والادارة اللتين تصبان في تحقيق التقدم المؤثر بالدرجة الأولى في ذات العقل الجمعي، الذي يُقرر مستويات النجاح والفشل والتعامل معهما ضمن إطار الثقة من عدمها، فبعيداً عن الأطر المنطقية والعقلانية، يتجه المواطن ومن ثم الجماعة صوب فكرة الاستلاب السياسي والشعور بأن الدولة تُدار من قبل الآخرين، ولأجل الآخرين لمصلحة الآخرين مما يولد شعورا بالقطيعة التي تخلق مسافات طويلة بينهم وبين من في السلطة، حتى وإن كان العمل يحمل من الجدية مستويات عالية، بالتالي فكرة بناء وطن ضمن خطوات مشروع وطني، يبدأ بالمواطنة وينتهي بالرفاهية والعدالة الاجتماعية، التي تختلف تماماً عن إدارة دولة وفق أفكار ومتبنيات لا يلامسها الجميع لاعتبارات مختلفة وغير واضحة لهم، بالمحصلة سنكون أمام خيارات العقل (المنطق) والعاطفة (الاندفاع)، مما ستنتج مستقيمات معلومة البدايات جهولة النهايات تتحمل تبعاتها الدولة بكل تفاصيلها مهما كانت النتائج، من ثم فإن عملية تنشيط الأدوات الفكرية والمعرفية، التي تعمل على بناء المشروع، لا بد من أن تكون بعيدة عن الفرعيات والخطابات والبرامج الآنية، والعمل ضمن مساحات خلق فرص المشاركة الفكرية والعملية في عملية بناء المشروع، وتبنيه من قبل كل الأطراف المسؤولة السياسية والاجتماعية، وهذا أيضا يتم من خلال قراءة العمق الحضاري والفكري إلى جانب دراسة الواقع الاجتماعي ومخرجاته، فضلاً عن رسم حلقات مترابطة من خلال سلسلة من المرجعيات الفكرية، التي تساهم في تطوير مساحات الوعي بالمشروع العراقي الوطني المبني على أُسس الجغرافية الواحدة ذات الشكل الواحد والمشتركات، التي تُعزز من قيمة ومكانة الدولة، أما الاختلافات فهي اختلافات بشرية ضيقة بالضرورة تذوب بالمشروع العام، اذا كان هذا الأخير مناسباً للجميع بحدود متفاوتة على اقل تقدير، بالنهاية وحتى لا يُهزم المشروع الوطني العراقي هذه المرة، لا بد من إعادة قراءة وصياغة المنطق الحضاري والثقافي من جديد بما يتناسب والحجم الذي بالضرورة تحتله الدولة.