عبدالله الجيزاني
تمر علاقة العراق مع إيران من جانب ومع أمريكا من جانب آخر، بمفترق طرق خطير ومفصلي، يحتاج لحنكة وحكمة في التعامل مع الطرفين في ظل طبول المواجهة التي تقرع عاليا بينهما.ايران ترتبط بعلاقات متشابكة مع العراق كشعب ونظام وحكومة، تمتد لمئات السنين.. وتجذرت وتعمقت لتصبح علاقات اسرية. بالمقابل العلاقة العراقية مع امريكا علاقة ستراتيجية حيث تشابك المصالح ومركزية الوجود الامريكي في الساحة العراقية، يضاف لها أن أمريكا اليوم هي اللاعب الأول في المنطقة والعالم.
وضع العراق هذا دفع حكومته إلى إيصال رسائل لطرفي الخلاف إيران وأمريكا، بأهمية تقدير وضع العراق، وتركه بعيداً عن الانتماء لأي طرف أو محور، وأن العراق سيكتفي بموقع الوسط في الخلاف المشترك.
يبدو ان طرفي النزاع تلقيا موقف العراق بحذر تارة وعدم رضى أخرى، فلكل طرف منهما أوراق في العراق قد تجهلها حتى الحكومة، لايمكن أن يتركها في لحظة المواجهة.العراق الذي يصدر حوالي 98 % من نفطه عبر مضيق هرمز المهدد بالإغلاق في أكثر من حالة وسيناريو، عند إيقاف تصدير النفط الإيراني وعند نشوب المواجهة بين الطرفين، هذا يجعل موقع الوسط الذي يراد للعراق لا يلبي حاجته ولن يكون قارب نجاة للبلد وإقتصاده المتداعي الذي يشكل النفط مصدره الاول والاهم، فضلا عن كارثية أي مواجهة على المنطقة والشعب الايراني وموقع امريكا في العالم.إن سياسية التهديد ولي الأذرع لا يمكنها ان تنجح في العلاقات الثنائية بصورة عامة، أما في منطقتنا فهذه السياسية لعب بالنار، لا يمكن لأحد ان يتكهن بنتائجه، خاصة بين ايران الدولة العقائدية التي لاتمتلك خيارات كثيرة، فهي أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن تنتظر لتخنق وتلفظ أنفاسها الأخيرة، أو تواجه لتوفر لنفسها فرصة مهما كانت ضئيلة لتعيش.. فيما أمريكا الدولة الأكبر في العالم وفي المنطقة الأهم بالنسبة لها، وما لايمكنها أن تفرط بها مهما كان الثمن، حيث الحليف الاسرائيلي وهنا الثروات الخليجية والانظمة الحاكمة التابعة قلبا وقالبا للإدارة الأمريكية، هذا الحال يعزز أن أي مواجهة بين الطرفين سوف تحرق الأخضر واليابس لان خيار التراجع غير متوفر لدى أي من الطرفين، هذا هو الأخير يدفع العراق ليغير دوره في المشهد. إذن على العراق أن يبحث عن دور وموقع أكثر فاعلية وأهمية من الوسط وتأثيرا في تفادي المواجهة، هذا الدور أن يكون لاعبا في الساحة من خلال التوسط بين طرفي الأزمة لنزع فتيلها، تمهيدا للانتقال إلى طاولة المفاوضات لحل الخلافات بما يخدم مصالح البلدين والمنطقة والعالم.
العراق مؤهل بشكل كبير ليلعب هذا الدور أفضل من جميع الاطراف الاخرى، لعلاقته المتزنة والمتوازنة مع الطرفين، الثقة العالية بالقيادات العراقية من قبل الاطراف المتنازعة، اضافة لوجود اوراق مهمة ومؤثرة في النزاع يمتلكها العراق يحاول الطرفان تجنب دخولها وتحييدها قدر المستطاع، حاجة الطرفين للعراق وحاجته لهما بنفس الأهمية مع تفوق للكفة الإيرانية لشعبية العلاقة معها. كل هذه الحقائق تدفع العراق ليتقدم خطوة مهمة للأمام من الوسط إلى الوسيط، لينزع فتيل ازمة سيكون في وسط لهيبها مهما حاول..