أ.د. عامر حسن فياض
علمتنا مأثرة طوفان الأقصى أن ساحات القتال في كل الحروب العربية الإسرائيلية السابقة، كانت خارج جغرافية الكيان الصهيوني، بينما أصبحت بفضل مقاومة غزة ومسانديها ساحات القتال داخل جغرافية الكيان المغتصب لفسلطين.. وهذا ما يحصل لأول مرة، ليكون طوفان الأقصى مأثرة وجود وليس معركة حدود.
كما علمتنا مأثرة طوفان الأقصى إن النزوح والتهجير كان يقتصر على أهل فلسطين، بينما أصبح بفضل مقاومة غزة ومسانديها، نزوح طوعي وتهجير قسري للصهاينة خارج الكيان وداخله.. وهذا ما يحصل لأول مرة.
ولأول مرة أيضا بعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تلوح بقوتها دون أن تستخدمها، فتخيف الآخرين وتنتصر عليهم أصبحت بعد طوفان الأقصى تستخدم، جل قوتها ولا تخيف الآخرين الأمر الذي يعني إنها لأول مرة، أخذت تتذوق الهزائم وتودع سمعتها وتشوه صورتها وتخسر هيبتها.
كذلك لأول مرة، وبفضل مأثرة طوفان الأقصى أصبح الكيان الصيهوني يخاف من محيطه غير الرسمي المقاوم ويتكسر ويتألم بعد أن كان يقلق من هذا المحيط المقاوم فقط، رغم أن محيطه الرسمي كان لا يزال لم يعد يقلق منه، لأنه اطمئن من تخاذله وتأكد من سكوت قادة الرأي فيه المصابون بلوثة الوعي المستدامة والمنشغلة معظم عقولهم بأكل الجبنة والمتلذذة بطعم مصالحها الشخصية الضيقة، أو المسكونة معظمها الآخر بالخوف من بطش أنظمتها الشرسة المتخاذلة، أمام أسيادها قوى التحالف الغربي الأمريكي الصهيوني.
ومن مأثرة طوفان الأقصى نتلمس حيادا سلبيا أردنيا ومصريا إزاء جريمة الإبادة الجماعية لكل أهل فلسطين، لأن المهم عند قادة النظامين ألا يكون تهجير الفلسطينيين الطوعي أو القسري من غزة إلى سيناء المصرية، ومن الضفة الغربية إلى الأردن. بمعنى أدق ليس هناك اعتراض حقيقي أردني، ولا اعتراض حقيقيا مصريا على تهجير الفلسطينيين عن فلسطين، وأن حقيقة الرفض المعلن مصرياً وأردنياً للتهجير، هو رفض لفظي مراوغ ومضلل. ونتلمس هذا الرفض اللفظي المخادع من الطرف الأمريكي لتقليل الإبادة، وليس منعها ورفض التهجير القسري، دون الطوعي بعد تجريد أهل غزة من كل شروط الحياة ومتطلباتها، بما في ذلك حرمانهم حق الحياة على أرض غزة!.
لقد تمزق برقع الإنسانية عند الغرب الرأسمالي المتوحش، عندما قطعت حكومات هذا الغرب التمويل عن منظمة غوث اللاجئين (الاونرا) فما هذا الكرم، وما هذه الإنسانية؟!.
كما إن إدارة بايدن لا تريد توسع القتال إقليميا بغية الاستفراد هي والكيان الصهيوني ومسانديه من العرب المتصهينة بأهل غزة إبادة وتدميراً، ليكون دعمها للكيان حلالاً مسموحا ودعما أي طرف للمقاومة الفلسطينية حراماً غير مسموح به فما هذه العدالة؟!.
وليعلم كل من يعيش الخذلان ويلوذ بالسكوت عن الإبادة إن الكيان الصهيوني، بعد طوفان الأقصى، لم يعد (امرأة قيصر) التي لا تمس. وأن لا قيمة لحق بلا قوة تقاوم، وأن الرهان الرابح والخيار لوحيد لإقرار الحق وتلمسه هو انتصار المقاومة.. وأن التواطؤ الغربي الأمريكي الصهيوني لا ينتهي دون انتصار المقاومة.. وأن خذلان قادة وملوك وأمراء السلطات الرسمية العربية والإسلامية لا يزول إلا بانتصار المقاومة... وليتذكر هؤلاء الحكمة التي تقول إن اليد التي لا يتمكنون من ليّها عليهم تقبيلها والدعاء عليها، لكنهم ذهبوا أبعد من ذلك لأنهم ما زالوا ينحنون تقبيلاً لليد الأمريكية الصهيونية ويتلون الدعاء لها بالانتصار ولا يتلون الدعاء عليها بالهزيمة!.
وليعلم من يريد أن يتعلم أن لوثة وعي الشعوب العربية والإسلامية، التي تعودت السكوت عن الحق ستزول بثبات وصمود الشعب الفلسطيني، وأن لوثة وعي الشوارع العربية والإسلامية بحاجة إلى تجريف وإعادة تبليط بأسمنت التحرر، لتفيق من موتها السريري الذي هي عليه ولا تستكمل حرية التفكير، التي تدعي نشداتها النخب العربية والإسلامية المثقفة، دون حرية التعبير عن الأفكار التحررية، والبوح بها والتعبير عنها، دون كتمانها في عقولهم، خوفاً من قمع السلطة أو طمعاً في مصالح ومنافع ضيقة.
كل ما تقدم يمثل شيئا من مؤشرات الألم، الذي سببه طوفان الأقصى للتحالف الصهيوني العالمي، أينما كان مستنبتاً، سواء كان داخل الكيان الصهيوني وخارجه.