اليمين المتطرف يهدد الاتحاد الأوروبي ويتوعد المسلمين

آراء 2019/05/25
...

د. قيس العزاوي
 
   

 لأول مرة في تاريخ دول الاتحاد الاوروبي يسود رعب الخوف من فوز المزيد من المتطرفين الاوروبيين في الانتخابات التشريعية (من 23 آيار الى 26 منه) للبرلمان الاوروبي.. ومما يزيد القلق ان المتطرفين في الوقت الذي يسعون لتفكيك الاتحاد الاوروبي وتمزيق الهوية الاوروبية يعادون بضراوة العرب والمسلمين “الاوربيين” مهددين الهويات الوطنية وتماسكها. وعلى مدى عمره الذي يعود الى عام 1979 مارس البرلمان الاوروبي ، من مقره في ستراسبورج بفرنسا، دور الضامن لفكرة المواطنة، وكان له اليد العليا على كل المؤسسات التشريعية ولعب دوره الرقابي والتشريعي بامتياز.. وقد جرى انتخاب نوابه كل خمس سنوات وتمثل فيه الدول الاوروبية حسب عدد سكانها .. وتكتسي هذه الدورة الانتخابية للبرلمان أهمية خاصة جداً نظراً للاسباب التالية:
   أولاً: التبعات الخطيرة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي او عدمه، اذ ما زالت الحكومة البريطانية تتأرجح ما بين البركسيت ونقيضه، فمن ناحية عجزت رئيسة الوزراء على اقناع مجلس العموم بتأييد الخروج، ومن ناحية ثانية لم تعلن الحكومة حتى اليوم تراجعها عن الخروج بانتظار القرار النهائي المتوقع في نهاية شهر تشرين الاول المقبل . 
    ثانياً : تجرى الانتخابات في وقت تتصاعد فيه حدة الخطابات العنصرية ضد العرب والمسلمين والانتشار الاعلامي الواسع للخوف من الاسلام “الاسلاموفوبيا” من قبل تيارات اليمين المتطرفة الى درجة ان الدولة الفرنسية وجدت نفسها مضطرة- حفاظاً على التماسك الوطني- على عرض افلام دعائية صغيرة تفند الحملة العنصرية وتشير الى ان العرب والمسلمين قد جلبوا المعرفة وبذلوا الدم وأفرزوا عرق جهد البناء من اجل فرنسا. فقد كانوا السبب في افتتاح اول جامعة اوروبية وهي جامعة مونبلييه التي جلبوا لها العلوم والرياضيات والطب وبذلوا الدم عندما ضحوا بارواحهم دفاعا عن فرنسا في كل معارك فرنسا من عهد نابليون الثالث الى الحرب العالمية الثانية، وبذلوا الجهد عندما استعانت فرنسا في الستينيات باعداد كبيرة منهم لبناء تقدمها، فعلى اكتافهم بنيت فرنسا الحالية وهم اليوم مواطنون يسعون لبناء اوروبا الموحدة.
   ثالثاً : حذرت مجلة “لونوفل أوبزرفاتور” اليسارية الفرنسية من التحول المتزايد للحكومات الاوروبية نحو اليمين المتطرف الذي يسيطر اليوم على حكومات بولندا وهنغاريا والنمسا وايطاليا.. والخشية ان يمتد ذلك الى فرنسا وألمانيا، وبخاصة بعد انخفاض شعبية الرئيس عمانوئيل ماكرون وقرب اعتزال المستشارة الألمانية انجيلا ميركل مما سيوفر فرصة ذهبية لحزب الجبهة الوطنية الفرنسي وحزب البديل الألماني اليميني المتطرف لتوسيع دائرة تمثيلهم النيابي وبالتالي تأثيرهم السياسي.
   رابعاً : تخشى القوى اليسارية واليمينية المعتدلة الاوروبية من خطورة دخول نواب جدد من الاحزاب اليمينية المتطرفة الى البرلمان الاوروبي .. حيث من المتوقع- وفقاً للاستطلاعات- ان يرتفع عدد نواب الاحزاب المتطرفة من  156 نائبا في البرلمان الحالي، إلى أكثر من 180 نائبا من مجموع 750 نائبا في هذه الدورة الانتخابية كما تشير بعض الاستطلاعات.
   خامساً : وعلى الرغم من ضغوطات الاحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للمسلمين يتسع دور ابناء الجاليات العربية المسلمة في دول اوروبا ، فهم يمارسون مواطنيتهم الاوروربية ويتقدمون في سلم الصعود السياسي . فبعد ان ضم البرلمان الاوروبي نوابا من اصول عربية مثل سمير نائير وحليمة بومدين وياسمينة بوجناح ، وضم البرلمان النمساوي النائب العراقي الاصل عمرالراوي المنتخب على مدى ثلاث دورات انتخابية. وضم البرلمان الاتحادي الالماني (بوندستاغ) خمسة عشر نائباً من اصول تركية من بينهم النائبة جميلة جيوسوف 35 عاما عن حزب التحالف المسيحي الذي تتزعمه المستشارة انجيلا ميركل . وبعد ان فازت المغربية خديجة عريب برئاسة الغرفة الثانية من البرلمان الهولندي عن الحزب العمالي، وانتخبت الفلسطينية ليلى موران كأول نائبة في البرلمان البريطاني، وجرى ترشيح العراقية شمم احمد ( 22 عاما ) عن الحزب العريق “العمل الهولندي”الذي تأسس في عام 1946وما زال مهيمنا على البرلمان الهولندي . بعد كل ذلك ترسخت حقائق اوروبية جديدة ومنها : إن الاسلام اصبح الدين الثاني في دول الاتحاد الاوروبي رسمياً، وازداد الحجم التصويتي للعرب والمسلمين مما حولهم الى مجموعة ضغط لا يمكن تجاوزها في حسابات الفوز والخسارة في كل الدورات الانتخابية: الرئاسية والتشريعية والبلدية.
   سادساً : رصدت الاجهزة الاستخبارية والسياسية الاوروبية الاختراقات الامريكية والروسية للاحزاب القومية اليمينية المتطرفة في 11 دولة اوروبية حيث حصلت هذه الاحزاب على الدعم المادي والالكتروني الروسي والامريكي. وأشهرهذه الاحزاب: حزب الجبهة الوطنية الفرنسي والبريكست البريطاني وحزب الحرية النمساوي وحزب الحرية الهولندي وحزب الرابطة الإيطالي . ففي الوقت الذي يتجول فيه ستيف بانون مستشار الرئيس الامريكي دونالد ترامب في الدول الاوروبية ساعيا الى توحيد جهود الأحزاب الأوروبية المتطرفة لتخريب الاتحاد الاوروبي من الداخل تقوم اجهزة المخابرات الروسية مثل وكالة أبحاث الانترنت في سان بطرسبرغ وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، (إف إس بي) ، والاستخبارات العسكرية (جي آر يو) باستخدام وسائل مختلفة عما استخدمته سابقاً في الانتخابات الأمريكية والفرنسية، للتأثير في الانتخابات الأوروبية وزعزعة كيان الاتحاد الأوروبي. فقد سبق ان قامت الاجهزة الروسية بتخريب رسائل إلكترونية للحزب الديمقراطي والحقت بالغ الضرر بمرشحته هيلاري كلينتون، وفي الانتخابات الفرنسية، دعمت هذه الاجهزة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بأموال روسية بعد زيارتها لموسكو والالتقاء بفلاديمير بوتين.
    ويذكر في هذا الصدد ماتياس يونج رئيس معهد استطلاعات الرأي الألماني بأن احزاب اليمين الاوروبي المتطرف اصبحت بمثابة حصان طروادة للمخططات الروسية والامريكية بهدف هدم البناء الاوروبي. ومن ناحيتهم يعتقد الفرنسيون ان فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية يمهد الطريق لفوز الرئيس الامريكي ترامب بولاية ثانية .
  مما سبق يتضح لنا بأن صراع القوتين العظمتين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الروسي وان كان حامياً ومحتدماً في كل بقاع المعمورة بيد انه يبدو في القارة الاوروبية العجوز وفاق مصالح، اذ تعمل القوتان بكل السبل على تقويض تجربة الاتحاد الاوروبي الرائدة لكي تبقيا لوحدهما القوتين الكبرتين.
    ومن المؤسف ان تستخدم هذه القوى احزاب اوروبية يمينية فقدت بوصلتها الوطنية وانشغلت بمقولات عنصرية تحمل الاقليات الدينية والعرقية الاسلامية خاصة مسؤولية الازمة الاقتصادية والبطالة واضطراب الامن والاعمال الارهابية.. والقت بمسؤولية استقبال المهاجرين على عاتق الاتحاد الاوروبي الذي تعتقد بانه صادر سيادتها الوطنية.. ان مصدر القلق المتعاظم اليوم هو تصاعد شعبية هذه الاحزاب اليمينية التي تلقى دعما اعلاميا من الشبكات الصهيونية ودعماً الكترونيا ومالياً من امريكا وروسيا.. ولم يعد ذلك سراً او يجري في الخفاء كالسابق فاللعب بات مكشوفاً ومصالح الغرب لم تعد واحدة بعد ان بلغ تصدع الغرب مبلغاً بليغاً. أوليست هذه فرصة ذهبية للامن القومي العربي قد يفتح الآفاق لكي تتفهم الدول العربية وتتفاهم مع الاوروبيين !.