محمد شريف أبو ميسم
تلعب المؤسسات المصرفيَّة والمؤسسات الماليَّة الأخرى مثل شركات التأمين، دوراً بارزاً في تمويل التجارة الخارجية، إذ لا يقتصر دورهما على تقديم الخدمات الخاصة بالتحويلات المالية في مجال التجارة الخارجية وتقليص مخاطر السداد وحسب، بل ينسحب إلى تطبيقات مفهوم التمويل بوصفه أداة لدعم القدرة التنافسية وتيسير إدارة الأعمال التجارية ليشمل كل المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر التي تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع، ومن ثم تنشيط التجارة والقدرة على التصدير، بمعنى أنَّ مفهوم «تمويل التجارة الخارجية» ينطوي على نشاط مالي قائم على تقديم الدعم المباشر أو غير المباشر للتجارة بوصفها
نتيجة لبيئة أعمال صالحة.
ومن هنا فإنَّ ما يقال عن إلغاء مزاد العملة في البنك المركزي بوصفه الأداة المعتمدة في تنظيم تمويل التجارة الخارجية بالعملة الصعبة على مدار أكثر من عشرين عاماً، والانتقال إلى أولى مراحل التعويم المدار، عبر إحالة مسؤولية التمويل للمصارف بشكل مباشر من خلال ما تملكه من العملة الأجنبية، هو في الواقع نشاط مالي ينطوي على امتياز يجب أن يكون مشروطاً، إذ عادة ما تمتاز المصارف التي تأهلت للتبادلات المالية الإلكترونية مع البنوك المراسلة في الخارج بالدقة والامتثال للمعايير المصرفية الدولية بعد أن كسبت ثقة القائمين على السياسة النقدية في البلاد من خلال معايير العمل المصرفي الناجح، التي تتقدمها مزية العمل بالنظام المصرفي الشامل، إذ لا يمكن لمصرف يصل إلى مستوى فتح الاعتمادات المستندية وإجراء التحويلات الخارجية إلكترونياً ما لم يتمتع بما يتمتع به أي مصرف عالمي، من قبيل تقديم جميع خدمات الدفع الإلكتروني المتاحة، وضمان وجود آلية إلكترونية لتدقيق الفواتير وعمليات التحول مع مكتب غسيل الأموال في البنك المركزي، فضلاً عن أهمية اقتراب رأسمال المصرف إلى نحو يفوق حجم التبادلات، أو بما لا يقل عن 450 مليار دينار قبل نهاية العام 2024 كما ورد في تعليمات المركزي بهذا الشأن، وأن يكون المصرف ملتزماً بالاحتياطي القانوني وبتعليمات مكتب غسيل الأموال، ولم يشهد تلكؤاً من قبل
في سداد ودائع الجمهور.
وإزاء ذلك لابد من تقييم حقيقي لمعدلات الائتمان بوصفها الركن الأهم من أركان العمل المصرفي الذي يسهم مساهمة جادة في دعم التنمية المستدامة التي يطالب بها الجميع عبر تدوير عادل للكتلة النقدية الصادرة بين الودائع ومعدلات الائتمان ودعم المشاريع الاقتصادية في بيئة الأعمال بما يسهم في تمويل
التجارة الداخلية والخارجية.