ثقافة سوداء

ثقافة شعبية 2024/02/29
...

كاظم غيلان

بالقدر الذي تجد في الشعر منطقة لشفافيتك وتوقك الدائم للجمال، الذي يدفع بك لتفجر ما في روحك من مكنونات، كما الينابيع التي تقهر مساحات الجدب الذي يراهن دوما على استمرارية طاقته السلبية، تجد ثمة ما يعين هذه الطاقة، ويدعمها بتمرير ثقافته السوداء،أو لاعادة صياغتها بوصفها انتصارا.
مفردات لا تحصى أورثتها لخطابنا الإعلامي ثقافة العنف التي رسختها حروب عبثية كارثية النتائج، تصر الآلة الإعلامية والثقافية على تدوير نفايات تلك الثقافة ودسها بطرق مفضوحة، مستغلة فضاء الحرية، الذي يتسع لكل العابثين به والمدافعين عن جوهره على حد السواء.
مفردات هاربة من القاموس العسكري، تتردد في تغطيات وتقارير واخبار تتسلل للعديد من الفعاليات والأنشطة، التي لها مروجيها والمتمنطقين بفخر في طبيعة استخدامها، فماذا يعني : (رهط) من الشعراء أو: بمشاركة نخبة من الشعراء(البواسل).
ولماذا (جحافل) من المثقفين؟
ولماذا (ابلى عدد من المشاركين بلاءً حسنا)؟.
أين نحن؟ ولماذا نستحضر بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة في أخبار وتقارير مهتمة بالشأن الثقافي؟
هذا القطيع الذي لاشأن له بالثقافة الحقة الا باستعادة وقائع الحروب، ودوران دواليب الدماء ومهرجانات تعبئتها الصاخبة يجد فرصته دائما في زاوية إعلامية هنا، وفرصة للمشاركة هناك.
لماذا تختفي التسميات البعيدة عن جمالنا، لنستعيد مشاهد رعب عشناها بكل مرارة وهلع وكوابيس مفزعة، لنطلق اسم مجرم كـ(ابو طبر) لنلصقها بلاعب أثلج قلوبنا في مباريات كرة القدم، هو الشاب(ايمن حسين)؟.
لأننا التزمنا الصمت حين اطلق لقب (السفاح) على لاعب قبله اسمه (يونس محمود)، سمحنا اليوم بتمرير (ابو طبر).
ثقافة العنف بثوبها (الخاكي) وقيافتها (الزيتونية) تشغل مواقع الصف الأول وها هي تسارع لفتح (باب المعسكر)، ليتسرب لنا نواب الضباط وضباط الصف والرفاق ومنشدو الحزب الواحد والحاكم الأوحد، ويشيعوا كل مفردات الحروب والجرائم الكبرى.
ما معنى إهمال الجمالي والاستعانة بقاموس العسكر؟
ما معنى الاستعانة بألقاب المجرمين لجعلها صفات لنجوم في الرياضة والفن؟.
لو لم تكن هناك أجندة وحواضن لكل هذا، فلم يحصل هكذا خرق معلن يتحدى.
لربما يفسر البعض اشارتي لشخص دون غيره، وهذا البعض يظل غارقا باحلامه المريضة، لأنني وربما غيري الكثير يشير لظواهر تتخذ أو تصنع من ينفذ أغراضها.
الحروب توقفت إلا أن ثقافتها سائدة جارية، داعش اندحرت ولم تكن اليوم بكامل قدراتها، إلا أن ثقافة داعش تجاوزت مواضعها لتعيش معنا.
أغلقوا الأبواب قبل أن تغلق علينا وتتدفق.. أنها ثقافة سوداء.. سوداء.