أ. د . جاسم يونس الحريري
بعد اندلاع معركة طوفان الاقصى البطولية في السابع من أكتوبر/تشرين الاول2023 مالت الكفة إلى حصول تقارب صيني- روسي تجاهها.
وقد انتقدت بكين وموسكو تصرفات الكيان الصهيوني المحتل في ردود فعلها على عملية طوفان الأقصى، ودعتا إلى وقف إطلاق النار، في محاولة لخلق موقف يظهر قيادتهما العالمية البديلة للهيمنة الأميركية المنحازة للكيان الغاصب، وعلى رأسها ما يخص القضية الفلسطينية.
فبعد يوم واحد فقط على «طوفان الأقصى»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن بلاده تدعو جميع الأطراف المعنية لضبط النفس ووقف الانتهاكات.
وفي اليوم التالي، قال إن الصين تطالب بدولة فلسطينية، وإنها المفتاح للسلام والأمن الدائميْن، دون أن يدين هجمات حماس، وهو ما جلب على بكين نقدا صهيونيا لاذعا، إذ صرَّح مسؤول رفيع المستوى بالسفارة الصهيونية في بكين بأن تل أبيب كانت تتوقَّع «إدانة أقوى» لحماس، وأضاف أنه «حين يُقتل الناس ويُذبحون في الشوارع، فليس هذا توقيتا مناسبا للدعوة إلى حل الدولتيْن»، في إشارة إلى القتلى الصهاينة في الهجمات.
وبعد أربعة أيام، قال وزير الخارجية الصيني «وانغ إي»: «تمتلك إسرائيل الحق في أن يكون لها دولة، وكذلك فلسطين.
لقد حصل الإسرائيليون على ضمانات لبقائهم، ولكن مَن يكترث ببقاء الفلسطينيين؟ إن الشعب اليهودي لم يُعد مُشرَّدا في الأرض، ولكن متى يعود الشعب الفلسطيني إلى بيوته؟»وفي اتصال هاتفي بين فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أكد بوتين لنتنياهو استعداد روسيا للمساعدة في إنهاء المواجهة في المنطقة بالوسائل السلمية، في وقت طرحت فيه موسكو مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف إطلاق النار، دون الإشارة إلى حماس، حيث شبه المبعوث الروسي للأمم المتحدة القصف الصهيوني المتواصل لقطاع غزة بالحصار الوحشي الذي فرض على لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية.
وهي عملية عسكرية فاشلة من قِبل قوات دول المحور للاستيلاء على مدينة لينينغراد في تلك الفترة حيث استمر الحصار من 9 أيلول/سبتمبر 1941، إلى 18 كانون الثاني/يناير 1943 عندما استطاع السوفييت فتع معبر بري إلى المدينة.
حيث رُفعَ الحصار تمامًا في 27 كانون الثاني/يناير 1944، أي بعد 872 يومًا من بدء الحصار. أما الصين فقالت في تلك الفترة بعد أنطلاق طوفان الاقصى إنها سترسل مبعوثا إلى الشرق الأوسط لتشجيع المحادثات وأدانت «جميع الأعمال التي تلحق الضرر بالمدنيين»، لكنها لم توجه تلك الإدانة صراحة إلى حماس، ولم تذكر الحركة في بياناتها.و قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن تصرفات الكيان الصهيوني إنها «تجاوزت نطاق الدفاع عن النفس».
لقد منحت المقاومة الفلسطينية الباسلة الصين مساحة أوسع بكثير للتحرُّك سياسيا في المنطقة، ومصداقية تفوق الولايات المتحدة الامريكية بكثير، خاصة أنها ليس لديها تأريخ استعماري في المنطقة (مثل الغرب) ولم تتورط من قبل في صراعاتها (مثل روسيا)، بخلاف الشعبية التي اكتسبتها كونها تقدم نموذجا تنمويا جذابا ومزايا اقتصادية، على عكس روسيا التي تعاني اقتصادا مأزوما، وعلى عكس الولايات المتحدة الامريكية التي تراجع الإيمان بنموذجها الاقتصادي الليبرالي بدءا من الأزمة المالية العالمية عام 2008 وحتى يومنا هذا.
ولم ترضخ الصين إلى الدعاية الصهيونية، ولا حتى للضغوط الأمريكية، ورفضت إدانة المقاومة الفلسطينية البطلة، بل واستخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشاريع أمريكية في مجلس الأمن الدولي لإدانة حركة حماس، ودعمت كل مشاريع القوانين في مجلس الأمن الدولي الداعية لوقف الحرب في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المدمر، كما صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح وقف إطلاق النار.
الصين الساعية، لكسر الهيمنة الأمريكية وبناء نظام عالمي جديد أكثر عدالة، تظهر بعض أوراق ضغط في منطقة الشرق الأوسط، لتحد أو على الأقل مزاحمة الولايات المتحدة الامريكية، وهي تدرك ارتباط أهدافها بنفوذها في الشرق الأوسط، وليس الاكتفاء بدور دبلوماسي محدود، مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية مع جميع الأطراف.