د. عماد جاسم
لست الوحيد الذي تحاصره فكرة كتابة مذكرات أو لنقل يوميات أو حقائق ترافقها قناعات أو تصورات عن المشهد السياسي والمجتمعي، الذي رافق عملنا الإعلامي والمدني والوظيفي على مدى العقود الماضية التي اعقبت التغيير، تلك السنوات العجاف المثيرة للجدل والمزدحمة بالتقلبات أو الاخفاقات أو حتى الأحلام البلهاء، في ظل عملية سياسية عرجاء وصراعات لإثبات الوجود على حساب تحقيق العدالة أو تثبيت اركان الدولة التي نحلم،، أقول: هل من حقنا أن ندلي بما نعرف؟
هل ثمة مسؤولية اخلاقية تحتم علينا البوح بكواليس تجسد ذلك البؤس في توزيع مقاعد المناصب أو ذاك الاستسهال أو الاستخفاف بمصير شعب يريد النهوض من كبواته بعد أعوام الاستبداد وما أعقبها من سنوات الفوضى وغرور الزعامات، بل وتفردهم!؟ هل ستكون هناك فرصة لتوثيق مسببات فشل مؤسسة ما؟
هل يحق لنا أن نكتب ماذا كان يحصل في برامجنا الحوارية أو ما يحصل من اجتماعتنا أو احاديثنا الجانبية مع قيادات البلد أو قيادات الرأي العام؟
هل ستبقى تلك اسرارا محرمة ومسكونة بهواجس التعريف عن خفايها ودهاليزها، بالرغم من حجم الدمار الذي احدثته !! أليس من حق اجيال منزوعة الامل أن تفطن لمن كان سببا في تجهيلها وقتل أحلامها، ربما يتطلب ذلك فعلا اخلاقيا يرمي وراء ظهره لوم اللائميين على ما سيعد سلوكا احمق لابد أن تسبقه المحاذير من ذكر الأسماء والعناوين البراقة،، وربما يتطلب أيضا الكثير من الموضوعية التي تستند إلى الصدق والمكاشفة والخروج من متلازمة الذاتوية والانفعالية والنرجسية التي ترافق مزاج من يكتب مذكراته، والخروج بنفس المقدار من حب التنصل عن كل مسؤولية والصاق التهم بالمنافسين للحفاظ على ذلك الرداء الأبيض المزعوم! لا بد من ادارك حجم المسؤولية الاخلاقية لمن يتصدى لهكذا نوع من التصيرح ومباغتة المسكوت عنه، ادراك قيمة ومغزى وهدف تدوين الوقائع وتفسير الاحداث بروح من الشفافية وصحوة ضمير تمكن ذلك المحارب أن يتوقع سيل التهم والتعليقات والاستنتاجات وقد تصل إلى التهديد ! والاهم من ذلك هل ستتوقف مبررات هذا المشروع عند حدود التطهير النفسي والمجتمعي من ذنوب أو حماقات عاشها الكاتب أو سارد الحكايات أو صاحب المنصب، لا ضير من الاعتراف بقناعة ثابتة أن اغلب مدوني وكاتبي مذكراتهم انطلقوا من هذا المنطق تحصينا من تأثيم أرواحهم في نهاية مشوار حياتهم، وقافلة أيامهم المثقلة بالأسف والندم والمواجع، لكن هناك مبررات، لا تقل أهمية تبرز في تحقيق رفاهية الاعتراف أو لنقل إزالة هموم الكتمان أو تحنيط الحقائق دون قصدية التشهير، لأن هناك خيطا رفيعا بين تلك الهذيانات المتوترة الملغومة بالشخصانية، وتأنيب الاخرين في لحظة غضب أو ساعة تنافس نرجسي، وبين سرد هموم وطن وشعب اكتوى بنيران مشعلي حرائق الفتن والطائفية، والذين سيكونون ابطال هذه السردية، التي سنكون نحن الذين نزعم نصاعة سريرتنا ونزاهة سيرتنا، اكثر الشهود الأخلاقيين والمبدئين في كتابة تاريخ هذا البلاد، في عسر أحوالها وتعاسة أيامها، بعد أن كانت لنا جلسات ونقاشات واجتماعات غير معلنة أو غير مدونة وغير مرئية، تضمنت مواقف وتصريحات واقوالًا، لا بد أن ينجلي عنها صدئ السنوات وتكسر اقفال مخازنها، لتكون متاحة وممهدة لتبني مواقف عقلانية تخدم مستقبل اجيالنا وتسعفنا باسكات صراخ الضمر!.