الاستثمار وسعر الصرف

اقتصادية 2024/03/04
...

محمد شريف أبو ميسم

من بين أهمِّ مقومات الاستثمار حالة استقرار سعر الصرف، والاستقرار يعني ثبات السعر في تبادلات وتداولات النقد الأجنبي مع النقد الوطني، وهذا الثبات يعدّ أمراً غاية في الأهميَّة في بيئة الأعمال الجاذبة للاستثمار الأجنبي وهدفاً أساسياً من بين أهداف السياسة النقدية، إذ يشكل الاستقرار النقدي عنصراً مهماً في حسابات دراسات الجدوى وخصوصاً للرساميل الأجنبية، إذ لا يمكن إنجاز دراسات الجدوى للمشاريع التي يمولها الاستثمار الأجنبي دون استقرار مالي، لأنَّ الجدوى المالية تأخذ بنظر الاعتبار استقرار سعر الصرف وهوامش التغيير في هذا السعر خلال فترة إنشاء المشروع وفترة التشغيل ، ويسعى القائمون على دراسة الجدوى المالية إلى معرفة هوامش التغيير في سعر الصرف لتحديد معدل سعر الصرف النهائي خلال عمر المشروع، بهدف الوصول إلى تصورات عن معادلة كلف الإنشاء والتشغيل والإيرادات مع فائض القيمة ومن ثم اتخاذ القرار المناسب بشأن الاستثمار من عدمه.
وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار البيئات الواعدة للاستثمار بيئات جاذبة ما لم يتحقق الاستقرار النقدي بجانب الاستقرار الأمني ووجود جهاز تنفيذي فاعل مع منظومة قانونية متكاملة تحارب الفساد وتسهم في حماية المستثمر والإنتاج المحلي وتضع حداً للإغراق السلعي في بيئة أعمال تتكامل فيها البنية التحتية.
ومن المؤكد أنَّ حالة الاستقرار النقدي في ظلّ التحول الرقمي بأدوات العمل المصرفي والتبادلات والتداولات المالية تحتاج إلى جهد وعمل كبيرين، وتحتاج إلى الوقت الكافي لإتمام هذه التحولات في الحلقات ذات الصلة بالتداولات وفي مقدمتها آليات النظام التجاري ومنها آليات التحويل المالي الخاصة بالامتثال لقانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015 وتطبيق المعايير الدولية والتعليمات الخاصة بسلامة النظام المالي من مخاطر هذه الظاهرة في ظل عديد المعوقات التي ما زالت تشكل الحاجز الأكبر في عدم شفافية وسلامة العمليات المالية. إنَّ استمرار حالة عدم الانسجام بين تطبيق القواعد والمعايير في عملية التحويل الخارجي وما يترتب عليها جراء نمو السوق السوداء والفارق بين سعر الصرف الرسمي وأسعار بيع السلع المستورة بموجب حركة السوق بجانب بيع الدولار بأشكال مختلفة سيسهم في حالة عدم الاستقرار النقدي واستمرار نمو طفيليات السوق السوداء بجانب نمو الرساميل المنتفعة من فارق سعر الصرف الرسمي والأسعار التي تتذبذب يومياً تبعاً لحركة السوق السوداء.  وبالتالي فإنَّ ما سيتوالد عن هذه الإرباكات من عوامل طاردة للاستثمار تشكل خطورة لا تقل في ضررها عن خطورة ارتفاع أسعار السلع والخدمات إن لم تكن هي الأكثر ضرراً جرّاء استمرار حاجة بيئة الأعمال للاستثمار وتنشيط دور القطاع الخاص.