معركة البقاء بإبادة عماليق العصر

آراء 2024/03/05
...

  سناء الوادي 

عند تشبيه الفلسطينيون بالعماليق أو الاعتقاد بأنهم من ذات النسل العائد إلى عيسو أخو يعقوب، ووجوب تصفيتهم من الأرض المقدسة لتكون خالصة لليهود مهيأة لقدوم المسيح، وعند الحديث عن الرعب الذي يزلزل قلوبهم من اقتراب زوال إسرائيل مع انتهاء العقد الثامن لقيام دولتهم في فلسطين وكثرة الحديث عن قرب تحقيق نبوءة أشعياء بالانتقام من حادثة السبي البابلي

خذوا أحداث المستقبل من هفوات السياسيين، وبخاصة إذا تكررت بشكل لافت، ولربما كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يدرك ذلك جيداً، نظراً للأزمة التي كان يرددها في عديد لقاءاته الإعلامية “نحن شعب الجبارين” حيث ظنَّ البعض أنها دلالة على اشتداد صبر الشعب المظلوم، لكنها في حقيقة الأمر إرثٌ ونسبٌ تاريخي يحمله الفلسطينيون منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وهذا بالضبط ما يؤمن به اليهود تبعاً للتلمود المكتوب بيد الأحبار الأوائل مفسَّرين كتاب العهد القديم، وواصفين شعب فلسطين من العرب على أنهم بقية العماليق القدامى الذين حاربوهم وأنهوا وجودهم عن بَكرة أبيهم، حتى أنَّ سيدنا موسى قد قتل عملاقهم الأكبر “حسب التلمود” في معركة ريفيديم، فحسب تعاليم الرب لا بدَّ من الإبادة الحرفية لكلِّ ما يمتُّ للعماليق بصلة لا يُستثنى من ذلك حتى الإبل والماعز والحمير، فما أشبه ذلك بأحداث الحرب الدموية العنصرية في غزّة، فقد لفتني قبل أيام مقطع فيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي لجندي إسرائيلي صوب سلاحه نحو حمار في الشارع، فسّره البعض حينها بالتخبط النفسي والخوف، الذي ألمَّ بجيش الصهاينة بيدَ أنَّ ذهاب الكثير من المحللين إلى وصف ما يجري اليوم هو بالحرب الدينية قد يكون بالمنطقي 

والعقلاني.

فلو عدنا بالزمن أربعة أشهرٍ خلت وتتبعنا تصريحات رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، التي لم تخلُ من تضمينها بتلك التعابير الدينية التلمودية، كالحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام وحديثه عن لعنة العقد الثامن وكذلك نبوءة أشعياء، لوجدنا أنَّ غالبية الشعب العربي لم يدرك ما يختبئ خلف هذه الكلمات من سهام حاذقةٍ متجهةٍ للصهاينة من اليهود، فذلك الخطاب كان موجهاً للداخل الإسرائيلي فقط، فنتنياهو الذي ينفذ الأجندة اليمنية بالغة التطرف لغاياتٍ في نفسه يحاول جاهداً حشد المزيد من المؤيدين لممارساته، مستنداً إلى أسفارهم المقدسة، مستنهضاً مشاعر اليهود لتشجيع المزيد من الدم والقتل بغية الوصول للهدف الأسمى نزول المخلّص من السماء وبناء الهيكل.

هذا وعند تشبيه الفلسطينيون بالعماليق أو الاعتقاد بأنهم من ذات النسل العائد إلى عيسو أخو يعقوب، ووجوب تصفيتهم من الأرض المقدسة لتكون خالصة لليهود مهيأة لقدوم المسيح، وعند الحديث عن الرعب الذي يزلزل قلوبهم من اقتراب زوال إسرائيل مع انتهاء العقد الثامن لقيام دولتهم في فلسطين وكثرة الحديث عن قرب تحقيق نبوءة أشعياء بالانتقام من حادثة السبي البابلي، التي قام بها بختنصر في القرن الخامس قبل الميلاد وما جرى قبله من السبي الآشوري لليهود إلى نينوى شمال العراق، حتّى أن محاولات التهجير الجارية على قدمٍ وساق إلى سيناء، وكثرة الحديث عن إعادة حدود إسرائيل في الشمال مع لبنان إلى ما بعد نهر الليطاني، وما نراه اليوم من قرارات يتخذها وزير الأمن إيتمار بن غفير، من تضييق الخناق على المصلين الزائرين للمسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك كرفع سن المصلين المسموح لهم بالدخول إلى أولى القبلتين لمن هم فوق الخمسين عاماً من النساء والرجال، ناهيك عن قانون يهودية الدولة الذي وُضع في عام 2018م وما تبعه من كثرة المعاهد المختصة بالتهوّد المنتشرة بكافة المستوطنات التي تشجّع المتهودين من 

الأوروبيين.

كل ما سبق ينذر بأيام كارثية ستحل على فلسطين وما يجاورها من الدول، فالمرام ليس فقط غزة إنما بناء مملكة النبي داوود لبني إسرائيل كما كانت سابق عهدها من النهر إلى البحر، ومن هنا ينبغي أن نفهم لماذا يعرقل سفاح الكيان الغاصب الهدنة بكل أشكالها فضلاً عن إصراره اجتياح رفح بكل الطرق ضارباً بالرفض العالمي له عرض الحائط وغير آبه بقصف المدنيين النازحين، ومحاولاً كل جهده إشعال الجبهة مع لبنان، ومضاعفة الضغط على أهل الضفة الغربية بمزيد من المستوطنات وقضم الأراضي من أهلها والقتل العشوائي المبرَّر لأي مطاردٍ لمستوطن يهودي، فيعرقل له الوصول لغايته الدينية السامية “وفقاً 

لمعتقداتهم”.

وفي ذلك إشارة واضحة للتغيير الديموغرافي في إسرائيل، فالغالبية منهم باتت تنتمي للتطرف ومعاهد التهوّد التي ذكرتها جزء لا يتجزأ من عملية التغيير تلك، وهذا حكم لا يدَع مجالاً للحلّ السياسي للقضية الفلسطينية، فالدولة بهذه القيادة المتطرفة من الاستحالة بمكان أن تعترف بحل الدولتين ولا أن تقبل حتى بحلّ الدولة الواحدة لرفض الوجود غير اليهودي مطلقاً بين ظهرانيها، وهنا بتنا نلحظ الأصوات المتعالية العلمانية القليلة التي تنادي وتتظاهر لاستبعاد نتنياهو من الحكم فوراً، لأنهم يرون في التشدد الديني والمزيد من القتل وصولهم للهلاك الثالث لدولة إسرائيل.

وفي معرض حديثي عن الحرب الدينية فقد جذب انتباهي ما قاله جورج بوش الابن عند غزو العراق ووصفه للعراق وإيران وكوريا الشمالية بمحور الشرّ ووجوب القضاء عليه، إلا أنه من المستغرب أكثر استهجان وزيرة خارجية بريطانيا لإدخال كوريا الشمالية ضمن هذا المحور، فهل كانت الحرب على العراق “2003م” تنتمي للحرب الدينية انتقاماً من حادثتي السبي الآشوري والبابلي التي أسلفتها بالذكر؟.


 كاتبة سورية