حرب غزة وبوصلة الرأي العام

آراء 2024/03/06
...

عادل الصويري

لم تعد شعوب العالم تثق اليوم، بالسرديات الإسرائيلية المتهافتة بشأن جرائمها في غزة. صار لهذه الشعوب اليوم، ما يشبه المراجعة الأخلاقية، لكل متبنيات الحركة الصهيونية، والتي أثَّرت في أجيال كثيرة طيلة العقود الماضية.
الصورة الشعبية الآن شبه معكوسة، فمظاهر الاحتجاج العالمي الرافضة لآلة القمع الوحشية الإسرائيلية تزداد مساحاتُها على جغرافيات العالم. لكن هل نستطيع الجزم أن هذه المظاهر الاحتجاجية، وبروز الرمزيات التي تمثل التراث الشعبي الفلسطيني، وارتداءها من قبل المحتجين، شكلت اتجاهاً جديداً في بوصلة الرأي العام؟  أعتقد أنَّ هذه الاحتجاجات الجماهيرية على علوِّ صوتِها، بقيت في دائرة الاحتجاجات التي تمثل الوجه غير الحقيقي للديموقراطية الغربية، ولا يمكن عدَّها اتجاهاً جديداً لبوصلة الرأي العام؛ ذلك لأن الرأي العام اليوم هو صنعة بيد صنّاع القرار المتحكمين فعلياً، والمتوزعين بين مؤسسات، ومراكز بحوث ودراسات، ومحطات تلفزة، ومواقع إلكترونية، وكل هذه مدعومة بالمال الرسمي للحكومات. هذا المال يوجه الرأي العام كيفما شاء أصحابُهُ، الذين هم جزء لا يتجزأ من اللوبيات التي تحرك الفكر بالاتجاه الذي تريده. هذا فضلاً عن الارتباط الوثيق بين ماسكي رأس المال العالمي مع الحكومات، التي لا تأبه عادة لمظاهر احتجاجات شعوبها، بل تتركها لتقول إنها ديموقراطية تسمح لشعوبها أن تعبر عن رأيها تجاه مختلف القضايا، بينما هي تعمل في الحقيقة لإدامة زخم سلطتها بالتركيز على موازين القوى، التي تضمن عدم تعطل مصالحها. ومثل هذا نراه بوضوح في تعاطي الحكومة المصرية التي لم تسمح بدخول المساعدات الإنسانية لغزة، في ظل الأوضاع الإنسانية المتردية من ازدياد حالات المجاعة، وتفشي الأمراض، فضلاً عن النسب المخيفة للشهداء من النساء والأطفال، والتي تشير الإحصائيات إلى أنها تجاوزت الـ 70 %. كما أن هذه الاحتجاجات لم تستطع الضغط على حكوماتها من تبني خيارات بديلة، ومواقف جادة تجاه مطالبات وقف الحرب في غزة، والتي عادة ما تواجه بالفيتو الأمريكي، وهذا ما سبب إحراجاً كثيراً للدول المطالبة بوقف إطلاق النار بشكل رسمي كالبرازيل وجنوب أفريقيا. ومع أن قرارات جمعية الأمم المتحدة غير ملزمة؛ فإن (مايكل يونغ) مدير تحرير مركز كارنيغي للشرق الأوسط يرى أنها «استطاعت في الأشهر الأخيرة أن تشكّل ثقلًا أخلاقيًا موازنًا لمجلس الأمن المتأزّم، ثقلٌ يعكس رأي الأغلبية العالمية. فقد أظهر ذلك بشكل مخزٍ أن عددًا كبيرًا من الدول يسعى إلى وقفٍ لإطلاق النار، فيما الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما القلائل يواصلون عرقلته» ومع ذلك يرى (يونغ) أن هذه المحاولات بدأت تشكّل ما أسماه «ثقلاً أخلاقياً» يعكس توجهاً لأغلبية عالمية تريد وضع حد لهذه الحرب.