ساطع راجي
استمرار أزمة تشكيل الحكومات المحلية في ديالى وكركوك، عدة أسابيع، مؤشر سلبي على أداء القوى السياسية المحلية في المحافظتين، وكذلك على مستوى تفهم القيادات المركزية لتلك القوى في بغداد، لأن المحافظتين تمثلان التنوع العراقي بكل وجوهه، وتأخر تشكيل حكومتيهما يعني إن القوى السياسية العاملة فيهما لم تحرزا تطورا في إدارة التنوع، بل ولم تشغل نفسها في إنجاز تفاهمات تسهل عمل المؤسسات خلال كل السنوات الفائتة.
منذ عام 2005 لم تشهد محافظة كركوك أي انتخابات محلية، كان هذا التعطيل غير دستوري وغير مقبول سياسيا وشعبيا، ومع ذلك حظي التعطيل بالتفهم على اعتبار أنه يحد من الخلافات بين المكونات من جهة ولوجود مشاكل فنية ذات خلفيات سياسية عرقلت الانتخابات من جهة أخرى.
هذه التسعة عشر عاما يبدو أنها لم تستثمر في تطوير العلاقات بين القوى السياسية في كركوك، وهي قوى ذات طابع مكوناتي تحرص على جر الشارع إلى خلافاتها، رغم أن هذا الشارع والبيئة الاجتماعية ككل شهدت تقدما كبيرا في تجاوز الاحتقانات، وتمكنت من إدامة التعايش السلمي بين المكونات التي تسرب الخلاف إلى داخل صفوفها وصار اتفاق كل مكون لا يقل صعوبة عن الاتفاق بين المكونات المختلفة.
في ديالى، لا يختلف الوضع كثيرا، المحافظة شهدت توترات حزبية وكتلوية طويلة ومعقدة، أدت لتغيير أكثر من محافظ قبل عام 2015، وكان الوقت كافيا منذ تلك اللحظة لإجراء حوارات بين القوى السياسية، لتجنيب المحافظة التعطيل والتأجيج نظرا للوضع الأمني المقلق في بعض مناطق المحافظة ودخول التنافس العشائري على خط العمل السياسي ليزيد معادلة الحكم فيها تعقيدا مع تواصل الخلافات الحزبية والمكوناتية «على صعيد القوى السياسية فقط».
أمران إيجابيان تحققا في المحافظتين، الأول هو ان المجتمع فيهما قد وضع مسافة فاصلة مريحة تجنبه الانجرار إلى المماحكات السياسية، وأبعد نفسه عن السقوط في التحريض، والأمر الثاني أن القوى السياسية في المحافظتين تقبلتا وجود رئيس الوزراء الاتحادي كوسيط قوي يدير حواراتها وربما ليكون ضامنا للاتفاقات، وهي ستكون في وضع حرج فيما لو تلتزم بالاتفاق الذي سيسهم رئيس الوزراء في التوصل إليه.
في المقابل، لا يمكن تجاهل النقص الكبير في تخطيط الأحزاب والحركات السياسية العراقية للمستقبل القريب جدا، فالأزمة في المحافظتين تكشف عن عدم وضع أي مخطط أو خارطة لما بعد الانتخابات، رغم أن النتائج تكاد تكون معروفة مسبقا وكل ما حدث لاحقا كان من السهل توقعه، بل إن مشكلات اليوم هي مجرد إستمرار لمشكلات متواصلة منذ سنوات، ومن المتوقع أن لا تهتم القوى السياسية بتوفير حلول دائمة لها أو حتى وضع قواعد للتعامل معها، وستذهب إلى النسيان بمجرد تنصيب المحافظين وتوزيع
المناصب.