عن الحرب والعنف

آراء 2024/03/07
...

 ميادة سفر

يشكل العنف أحد أكثر الظواهر استمرارية التي رافقت الإنسان منذ وجوده على الأرض وحتى يومنا هذا، ولم تكن صناعة الأسلحة التي أحتكرها من بين كل الكائنات الحية إلا أداة لمساعدته على القتل، وإشباع الغرائز العدوانية لديه، تلك الغرائز التي وإن لم تكن وقفاً على الإنسان فإن الحيوان وإن كان عنيفاً غريزياً، إلا أنه لم يستعمل عنفه إلا عند الحاجة،

متى اشبع حاجاته الضرورية لم يعد يشعر بالحاجة إلى ممارسة العنف، أما الإنسان فقد تفنن في اختراع الوسائل والأساليب التي يبرز فيها غرائزه العنيفة، باحثاً عن أسباب ومبررات لا تبرر حجم النتائج التي كان الموت أكثرها انتشاراً ومأساوية.

تعتبر الحرب أحد أكثر الأسباب لموت الإنسان، وقد تسبب الحروب التي عرفتها البشرية بمقتل ملايين الأشخاص حول العالم، فضلاً عن تشريد الآلاف والتدمير الكبير الذي خلفته، وارتكاب المجازر التي عادة ما ترافقت بوعود كاذبة بانتصارات لم تتحقق بما للنصر من معنى، مقترنة باتهامات متبادلة بين أطراف الحرب، مترافقة غالباً بعروض للسلام والتهدئة ووقف القتال عادة يأتي بعد فوات الأوان، وبعد القضاء على الكثير من أسباب العيش في البلاد التي شهدت تلك الحوادث، وما يجري في فلسطين اليوم، يبدو دليلاً حياً عما نتحدث عنه، فأي توصل لوقف القتال أو الهدنة لن يكون سوى فرصة لإحصاء أعداد الضحايا والخسائر، أو إعادة تجميع القوى والقوات وتهيئتها لاستكمال الحرب التي يقف العالم كله متفرجاً أمامها، صامتاً عن المجازر والدمار الذي ينتشر في كل شبر من الأرض

 الفلسطينية.

تطورت الحروب بما تحمله من طابع مميت بشكل مستمر، وتشير الكثير من الإحصائيات إلى تضاعف أعداد الضحايا التي خلفتها الحروب من 1 % من سكان العالم بين أعوام (1820-1859) إلا ما نسبته 10.1 % حين دخلنا عصر الصواريخ والأسلحة المتطورة، ويتوقع أن تصل إلى ما يزيد عن 40 % من سكان الأرض بحلول عام 2050 إن استمرت الحال على ما هي عليه بلا ردع، كل ذلك بسبب النزاعات التي لا تتوقف والحروب، التي لم تجد حلاً لها على الرغم من تمخض الحرب العالمية الثانية التي أودت بملايين الضحايا عن منظمة الأمم المتحدة التي كان من أهم مبادئها حفظ الأمن والسلم 

الدوليين.

إلا أنّ الأمن والسلام الدوليين الذين قالت بهما المنظمة الدولية فصّلت على مقاس الدول العظمى، التي تتحكم بمجلس الأمن صاحب القرار النهائي بكل ما يتعلق بشؤون الدول، فيحق لها شن الحروب واحتلال الدول «أفغانستان والعراق» من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أو تأييد وأحياناً الصمت عن الجرائم التي ترتكب كما في فلسطين المحتلة، وأحياناً كثيرة عن طريق دعم التنظيمات الإرهابية مثل ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في سوريا، فهي ومنذ اندلاع ما سمي حينها «ثورات الربيع العربي»، وهي تغض الطرف عن الانتشار المتزايد للتنظيمات الإرهابية، ولم تقم إلا بإدراج بعض الشخصيات تحت قائمة الإرهاب إرضاءً للرأي العام لديها وتأميناً لنجاح زعمائها بالانتخابات.

جدير بالتذكير أنّ الحرب باتت اليوم تشكل مؤسسة عالمية تدار من قبل هيئات تسعى لتحقيق أهداف محددة، قد يكون من بينها تغيير وتدمير الإرث الديمغرافي لكثير من البلاد، وزيادة أعداد الوفيات للتقليل من أخطار الانفجار السكاني الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، فضلاً عن استبعاد فئة الشباب وهم في أوج نشاطهم وعطائهم من خلال زجهم بالقتال الذي قلما يخرجون منه 

معافين.