الحرب العالميَّة الثالثة بدأت فعلاً

آراء 2024/03/07
...

 باقر صاحب 

إنَّ الحديث عن حرب عالميَّة ثالثة، أصبح مُتداولاً الآن، تتناوله مقالات الرأي وتحليلات المراقبين للشأن العالمي، في ظل نشوب نزاعات إقليميَّة عسكرية، مثل حرب روسيا وأوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث، من دون حسمٍ عسكريِّ لأيٍّ من الطرفين، فضلاً عن حرب الشرق الأوسط، بين الكيان الصهيوني وحركة حماس المسؤولة عن إدارة قطاع 

غزَّة. 

مصطلح الحرب العالميَّة الثالثة، ليس بالجديد، هذا ما تؤكِّده الموسوعة الحرَّة ( الويكيبيديا)، بأنَّه أُطلق منذ العام 1945، أي بعد نهاية الحرب العالميَّة الثانية، ففي عالمٍ لا يخلو من الحروب، كان يُشار إلى حروبٍ من نوع الحرب الباردة، والحرب على الإرهاب. 

ويرى البعض أنَّ مصطلح الحرب العالميَّة الثالثة، يلتصق أكثر بما يُسمّى الصراع النووي، نتيجة امتلاك ما سُمِّيتِ الدول العظمى الأسلحة النووية، وعلى رأس تلك الدول أميركا، وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقاً) زعيمتا القطبين الثنائيين في العالم؛ القطب الرأسمالي والقطب الاشتراكي (الشيوعي) بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ثُمَّ بقيَّة الدول العظمى؛ الصين وفرنسا وبريطانيا، لاحقاً، امتلكت عديد الدول في أنحاءٍ متفرِّقةٍ من العالم الطاقة النووية للأغراض السلمية، والسلاح النووي لأغراض الحرب، ومن بينها الكيان الصهيوني، الذي تغضُّ أميركا النظر عن ترسانتهِ النوويَّة، وتمنع دولاً أخرى من امتلاكها السلاح النووي، ما يجعل نشوب حربٍ عالميَّةٍ شاملة، الأكثر خطورةً في تاريخ العالم.

إنَّ الحديث عن حربٍ عالميَّةٍ ثالثة، أصبح مُتداولاً الآن، تتناوله مقالات الرأي وتحليلات المراقبين للشأن العالمي، في ظل نشوب نزاعاتٍ إقليميَّةٍ عسكرية، مثل حرب روسيا وأوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث، من دون حسمٍ عسكريِّ لأيٍّ من الطرفين، فضلاً عن حرب الشرق الأوسط، بين الكيان الصهيوني وحركة حماس المسؤولة عن إدارة قطاع  غزَّة. 

كلا الحربين قابلتان للتوسُّع، ففي غمار الأولى، باتت تصريحات توسُّع هذه الحرب ظاهرةً للعيان، فقد شدَّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أواخر شهر شباط الماضي، على ضرورة دعم دول أوروبا لأوكرانيا، وأنَّه لا يستبعد إرسال قواتٍ من هذه الدول من أجل هزيمة روسيا، هذا التصريح، جاء على خلفية تأكيد ماكرون» هناك إجماعٌ أوروبي على ضرورة الاستعداد لهجومٍ روسي محتمل على الدول الأوروبية في السنوات المقبلة». 

المخاوف من الشبح الروسي أكَّدها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الأسبوع الماضي الذي قال في جلسة استماعٍ في مجلس النوّاب:» بصراحة، إذا سقطت أوكرانيا، أعتقد حقّاً أنَّ الناتو سيواجه روسيا وجهاً لوجه».

بدورها ردَّت روسيا على لسان الرئيس فلاديمير بوتين أواخر شباط الماضي بقوله: «تحدّثوا (الغربيون) عن إمكان إرسال وحداتٍ عسكريةٍ غربيةٍ إلى أوكرانيا (...) لكنَّ تبعات هذه التدخلات ستكون مأساوية»، مضيفاً: «عليهم أن يدركوا في نهاية المطاف أنَّ لدينا أيضاً أسلحة قادرة على إصابة أهدافٍ على أراضيهم». 

روسيا أشارت مراراً إلى إمكانية استخدام السلاح النووي إذا اقتضى الأمر. 

حرب حماس مع الكيان الغاصب، بدأت تتَّسع إقليميّاً، فهناك جبهة لبنان، حيث تتصاعد حدَّة المناوشات اليوميَّة بين حزب الله والكيان المحتل، وهناك جبهة اليمن، حيث يصعِّد الحوثيون قصفهم للسفن الغربيَّة المارَّة بالبحر الأحمر، المتَّجهة إلى سواحل هذا الكيان، بالرغم من القصف الجوِّي الأميركي – البريطاني لمواقعهم داخل اليمن. 

تتضارب الرؤى بشأن اندلاع هذه الحرب الثالثة، كذلك تتضارب بالنسبة إلى «متى» و»أين» تقع؟، فهناك من يرى أنَّ منطقة الشرق الأوسط، هي التي ستكون مسرح الحرب العالميَّة الثالثة، لأنَّ الغرب يريد إبعاد شبح الحرب عن قارَّة أوروبا، وفي هذا الصدد يقول الكاتب والصحفي محمود عبد الهادي في مقالة نشرتها «الجزيرة نت»، بأنَّ ذلك الخيار «يجنِّب الدول الغربيَّة ومدنها وبناها التحتيَّة ومكتسباتها الصناعيَّة والتكنولوجيَّة ما عانتهُ في الحربَين العالميَّتين: الأولى والثانية.

وأنَّ الدول العربية ومعها تركيا وإيران؛ ستكون مُستهدفة في هذه الحرب، بموقعها الجيوسياسي المطلوب تفتيته، وبثرواتها الطبيعيَّة النفطيَّة والمعدنيَّة»، مُستطرداً بأنَّ ذلك يجعل الكيان الصهيوني الطرف الرئيس في هذه الحرب؛ لتحقيق مطامعه الجغرافيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة في دولةٍ كبرى من المحيط إلى الخليج.

عبد الهادي يطرح، بدءاً من عنوان مقالته» هل ستشتعل الحرب العالمية الثالثة؟» المنشورة بتأريخ

15-2 - 2024، تساؤلاً بهذا الشأن، بمعنى أنَّها لم تبدأ.

 على العكس من ذلك نشرت» الجزيرة نت» ايضاً تقريراً بتأريخ 19-11 – 2023 يستند إلى مقالةٍ منشورةٍ في مجلة «نيوزويك» الأميركية، كاتب المقال الباحث والمحلِّل المختصِّ في شؤون الشرق الأوسط جوزيف أبستاين يرى أنَّ العالم الآن في غمار هذه الحرب، ولكنَّهُ يضع لها توصيفاً آخر غير الحرب الشاملة، بالقول إنها حربٌ لا مركزيَّة «بجبهات قتالٍ تبدو غير متَّصلةٍ ببعضها وتمتدُّ عبر قارّات العالم».

الأمر الذي يعني أنَّها ليست نوويَّة،بحسب الواقع على الأرض، وفضلاً عن الأسلحة التقليديَّة، فإنَّها مُسندةٌ – على حدِّ وصف أبستاين بحملات التضليل الإعلامي والتدخِّل السياسي والحرب السيبرانيَّة. 

وفقاً لذلك نستطيع نقول إنَّ هذه الحرب لها بؤرتان الآن: الشرق الأوسط، فلن يكفَّ الكيان الصهيوني عن حرب غزَّة، الاّ بتحقيق أهدافهِ كاملةً، المتمثِّلة بالقضاء على حماس نهائيّاً، مع مخطّطاته القائمة بالهجوم البرّي على جنوب لبنان. غرباً حرب روسيا وأوكرانيا، هي الأخرى ليس هناك أفقٌ لنهايتها في المستقبل القريب.