أذربيجان وعلاقة الحُب مع الرمان
توم مارسدن
ترجمة: بهاء سلمان
ينظر إلى فاكهة الرمان بوصفها من الثمار اللذيذة والمريحة للعين كما إنها مليئة بالخصائص الطبية، وهي هدية حقيقية من الطبيعة، وقد نالت حظها من التبجيل والتكريم من خلال كم كبير من القصص في صفحات كتب الأديان والثقافات عبر جميع أنحاء العالم عبر التاريخ. وقد ربطها اليونانيون القدماء بالعالم السفلي، بينما اعتقد اليهود أنها تحتوي على 613 بذرة تمثل عدد الوصايا المذكورة في كتاب التوراة.ويسود اعتقاد بأن شجيرات الرمان الأولى نشأت في تربة المنطقة الممتدة من بلاد إيران إلى شمال الهند، وسرعان ما انتشرت غربا إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط وشرقا إلى أطراف الصين الشرقية. وتظل هذه الفاكهة عنصرا أساسيا محبوبا لدى العديد من مطابخ الشرق الأوسط وتحظى بتقدير كبير بين شعوب دول مثل تركيا وأرمينيا وخاصة بلاد النشأة الأولى؛ إيران.
ومع ذلك، سيكون من الصعب عليك العثور على مكان يشيد بالرمان سواء الفاكهة منها أو الشجرة أكثر من أذربيجان، الدولة الواقعة جنوب القوقاز والمجاورة للشمال الغربي من إيران، حيث يتمتع الرمان الأذربيجاني بمكانة شبه مقدسة كرمز وطني لدى الشعب الأذري.
الرمان في المطبخ
هنا يلعب "ملك الفاكهة"، كما يعرف محليا، ويرجع ذلك جزئيا إلى شكل كأسية النبتة التي تشبه التاج، دورا كبيرا في كل من المطبخ والثقافة.
فيما يتعلق بالأولى، فإن زوار "أرض النار" سوف ينبهرون بسرعة بجميع صناديق الرمان الأحمر الياقوتي التي تزيّن الأسواق الشعبية ومحلات البقالة، ثم ينبهرون بمعرفة استخداماتها العديدة، بدءا من هرسها وتحويلها إلى عصائر طبيعية ومربيات فضلا عن الصلصات وكذلك لتزيين الأطباق الوطنية المشهورة، مثل طبق "البيلاف"، وذلك بنشر البذور الشبيهة بالجوهرة على سطح الطبق؛ ويبدو أن الاستخدامات المتعددة للرمان لا حصر لها في هذا البلد.
تكشف "فريدة بوياران"، مؤلفة كتاب الطبخ "الرمان والزعفران.. رحلة طهي إلى أذربيجان"، عن بعض من أكثر تلك الطرق تخصصا فتقول إن: "إحدى الطرق هي إضافة لحاء الرمان ذي الرائحة النافذة إلى أطباق اللحوم لتحقيق التوازن بين ثراء اللحوم والمساعدة في الهضم، كما هو الحال مع طبق "نارغوفورما".
وفي منطقة جويتشاي، يتم طهي لحاء الرمان وتحويله إلى محفوظات سكرية تسمى ناردانشا.
تقول بوياران: "من الغريب أن هذه المعلّبات يتم التعامل معها كمرافقة حلوة للشاي ويتم رشها فوق طبق بيلاف الرز.
وهناك أيضا شراب منعش يشبه دبس السكر، يدعى نارشارب، يتم تحضيره من بذور الرمان، وهو بهار لا غنى عنه مع أطباق السمك المشوي أو المقلي، فضلا عن أن "الشربت" هو مشروب منعش مصنوع من هذه الفاكهة الغنية بمركبات الحماية للمعدة.
كما يتم استخدام القشر والبذور في المنتجات الطبية والتجميلية، بحسب الباحثة الأذربيجانية.
وفي الواقع، فإن الرمان هو الفاكهة الفائقة المثالية بين كثير من الفواكه الشتائية، حتى إن مجرد قضم البذور أو تناول كوب من عصير الرمان الطازج له فوائد صحيّة هائلة، وفقا لعدد لا يحصى من المقالات عبر الإنترنت التي تتحدث عن جميع مضادات الأكسدة والبوليفينول وفيتامين سي وحمض الفوليك الناتج من الرمان.
وإلى جانب ذلك كله، فإن الرمان هو أكثر بكثير من مجرد منتج غذائي في أذربيجان، حيث تطوّرت هذه الفاكهة، التي توصف بأنها "الثمرة الملكية"، على مدى آلاف السنين من زراعتها في البساتين المحلية والمتاجرة بها على امتداد الفرع القوقازي لطريق الحرير، لتتحوّل في نهاية المطاف إلى رمز ثقافي ألهم الفنانين والكتاب المحليين، وحتى عشاق الموضة لفترة طويلة وصولا إلى زماننا هذا.
"يحتل الرمان مكانة بارزة في الثقافة والتقاليد الأذربيجانية، فهي الفاكهة الوطنية التي ترمز إلى الوفرة والبركة والخصوبة.
ويظهر الرمان في كل مكان: عبر الحكايات والقصائد الشعبيّة، وكذلك صفحات الفن والتصميمات الأخرى،" كم تقول بوياران، وتضيف: "إذا كنت ستسافر إلى الشمال الغربي وتزور قصر شيكي خان الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر، فستلاحظ اللوحات الجدارية في غرفة اجتماعات الخان التي تتميّز بشجرة رمان جميلة؛ رمز جنة الفردوس."
الشعر يتغزّل بالرمان
ويمكن للمرء أيضا إدراك هذا الحب الكبير من قبل شعب أذربيجان لفاكهة لرمان منعكسا في كلمات الشعراء المشهورين، مثل "فضولي" و"نظامي كنجوي"، فضلا عن اللوحات النابضة بالحياة لفنانين محليين مشهورين، مثل "ستار باكلول زاده"، و"تاير سالاخوف" و"توغرول ناريمانبيكوف"، وفقا للفنانة "ديليافروز باغيروفا"، إذ تقول: "تشير قصصنا إلى أن الرمان هو رمز التعبير عن الحب.
كان التعبير عن عاطفة الحب تجاه المحبوبة بالكلمات يعتبر ضربا من الجرأة في الماضي، فكان الرجال يعترفون بمشاعرهم من خلال حملهم رمانة إلى محبوباتهم؛ كما أنه يمثل لديهم رمزا للخصوبة والثروة والوحدة."
وعلى الرغم من كون شجرة الرمان صالحة للزراعة في جميع أنحاء أذربيجان، لكن هناك مكان واحد يعتبر الرمان فيه ألذ من أي مكان آخر، وهو مدينة جويتشاي التي جاء ذكرها في بداية هذا المقال، حيث تقع هذه المدينة في منطقة آران الاقتصادية على سفوح جبال القوقاز عند شمال وسط أذربيجان.
ويقام فيها مهرجان الرمان السنوي، عادة كل عام، وقد عاد إلى نشاطه خلال شهر تشرين الثاني الماضي بعد توقف دام أربع سنوات بسبب جائحة كورونا.
وكان المهرجان قد بدأ أولى دوراته في العام 2006، وسرعان ما تطوّر ليصبح أفضل احتفال ريفي محبوب في أذربيجان.
خلال الحدث الذي يستمر يومين، بالتزامن مع موسم حصاد الرمان في نهاية تشرين الأول أو بداية تشرين الثاني، يحتشد الآلاف من الأشخاص، وهم خليط من السكان المحليين والسياح القادمين بالحافلات من مدينة باكو، على امتداد الشوارع المركزية للمدينة الهادئة عادة، والتي تغمرها المياه، مع أكشاك تبيع الرمان الطازج المزروع في جميع أنحاء قرى منطقة جويتشاي، البالغ عددها 32 قرية.
يتيح التنوّع المناخي في البلاد زراعة أكثر من ستين نوعا مختلفا، تختلف في الشكل والحجم واللون للفاكهة، من الأبيض إلى الأحمر الياقوتي.
كما ستجد الكثير منها معروضا في مهرجان جويتشاي للرمان، بالإضافة إلى جميع أنواع منتجات الرمان الصناعية؛ بدءا من العصائر والمربيات إلى الصلصات والكعك، وحتى القشور المجففة التي تباع كمنتج طبي لمختلف الاستخدامات.
فعاليات متعددة
وفي الوقت نفسه، يتم إعداد المسارح لعروض الموسيقى والرقصات الوطنية، ويبدو منظر دخان المشويات المتصاعد شهيا وهو يحوم في أجواء العديد من المقاهي الصغيرة التي تقدم أطباق الكباب؛ الأكلة المفضلة للسكان.
وتقام مسابقات الجمال لتقديم الجائزة، على سبيل المثال، لأكبر رمانة حجما، وأجمل "فتاة رمان"، وأسرع آلة لعصر الرمان.
وتتغيّر المسابقات كل عام لإبقاء الأحداث مثيرة للاهتمام.
بشكل عام، فإن مهرجان "نار بيرامي"، كما يطلق عليه في أذربيجان، فريد من نوعه لدرجة أنه تم إدراجه ضمن القائمة التمثيلية لمنظمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في العام 2020.
في مهرجان نار بيرامي، يحصل المرء أيضا على فكرة عن النطاق الواسع لصناعة المنتجات المرتبطة بفاكهة الرمان في أذربيجان، والتي تلعب دورا بارزا لتعزيز القطاع الزراعي للبلاد.
وبحسب جمعية منتجي ومصدري الرمان الأذربيجاني، تم إنتاج 187 ألف طن من الرمان لعموم أذربيجان خلال العام 2022، مع تصدير 15 بالمئة منه إلى الخارج.
وكان معظم ذلك المنتوج يذهب إلى روسيا وأوكرانيا، مع أن المفاوضات جارية حاليا لجلب الفاكهة الغنية بالفوائد الصحية من أذربيجان إلى أسواق جديدة تشمل أوروبا والصين.
وتعتبر إمكانات اذربيجان التصديرية عالية جدا بفضل الظروف المناخية والتربة الملائمة للبلاد، مما جعلها لاعبا رئيسيا يرتبط بسوق الرمان العالمي.
ومع أن المستقبل يبدو مشرقا لفاكهة الرمان التي توصف بأنها "ملكة الفاكهة"، فإن إحدى التحديات المحتملة تكمن في تغيّر المناخ، فمن المحتمل أن تؤثر التغيّرات الطارئة على درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار والأحداث الجوية القاسية سلبا وتترك آثارا سلبية لزراعة الرمان المحلية.
ولأجل مكافحة ذلك، يتم تشجيع المزارعين المحليين على إدخال أصناف مقاومة للمناخ وإدارة المياه على نحو أكثر استدامة لزراعة هذه الشجرة المباركة في عيون السكان.
غير إنه وبغض النظر عن التقلّبات المحتملة، فمن المؤكد أن عشق أذربيجان للرمان منذ قرون سيبقى بلا تغيير.
وكالة سي أن أن الاخبارية الأميركية