حمزة مصطفى
ربما لايثير الأمر استغرابا عندما يجري الحديث عن النزاعات العشائرية التي تخلف قتلى وجرحى وتخل بالأمن والنظام، حين نعقد مقارنة بين دول تتقاتل، بل ولا تمل من القتال على أسباب قد تكون تافهة أحيانا. فطبقا لتجارب البشرية منذ أن كان أجدادنا يعيشون في الكهوف و»كاتلهم الوصخ» إلى أن صاروا يقطنون أرقى القصور، ومعها الصواريخ الموجهة بالليزر وغير الليزر فإن نزعة القتال والحرب تكاد تكون هي القاعدة، بينما كل السواني والقوانين والدساتير والاتفاقيات من وتسالفيا التي «خبصنا بيها» هنري كيسنجر إلى إتقاقية جوبا لحل النزاع بين الزعيمين الفلتتين البرهان وحميدتي، هي مجرد استثناء وأحيانا لا داعي لها أصلا. فالحرب حين تندلع تندلع سواء كانت بين عشيرتين لأن «ديك الجيران» اعتدى جنسيا على دجاجة الجيران، أو بين دولتين على الزعامة على بقايا كرسي متهالك مثل حرب الجنرالين حميدتي والبرهان، أو حتى حرب القيصر بوتين ضد أوكرانيا من منطلق عودة الفرع إلى الأصل هي القاعدة وماعداها كل تصريحات غوتيريش وجولات الموفدين والمندوبين وتحليلات الخبراء الإستراتيجيين، لا تصمد أمام قرار أحمق يتخذه «زعطوط» عشائري أو زعيم دولة عضو دائم في مجلس الأمن، الذي بات لايؤمن حتى على أعضائه.
إذن لماذا نستغرب حين يندلع في بلادنا نزاع عشائري بين فترة وأخرى؟ اتركونا من السلاح المفلوت والمنفلت والمتفالت. اتركونا من أهمية دور العشيرة في بناء الدولة. اتركونا من دعوات نزع السلاح أو بيعه للحكومة في إطار خطة حصره بيدها. اتركونا من كل هذه القصص ودعونا نركز على مسألة واحدة فقط وهي الإيمان بالدولة. هل نحن مؤمنون بالدولة التي يفترض إننا كشعب أحد أركانها الأساسية؟، هل نحن مستعدون للتنازل عن قناعاتنا ودوافعنا ورغباتنا وطموحاتنا المسبقة حتى لو تعارضت مع القانون؟ من يخرق القانون بدءا من إشارات المرور؟ من يتهرب من دفع الضريبة التي باتت اليوم أساس تعظيم موارد الدول غير الريعية طبعا حتى تتمكن من الإنفاق على الناس أجورا وخدمات؟ ألسنا نحن جميعا دون استثناء نتعامل مع الدولة التي تمثلها الحكومة في العادة بوصفها مجرد بقرة حلوب عليها منحنا الحليب الطازج وحين تقصر أو تعلن إفلاسها نلعن جد جدها السابع عشر مع أن الدولة هي نحن ونحن من ينبغي أن نرفدها بالموارد لكي تستطيع أن تعمل بعدالة؟
ربما هناك من يرى أن هذه الأسئلة غير مشروعة طالما أن الحكومة التي تمثل الدولة وبالتالي تمثل المواطن هي من يتوجب عليها وضع الخطط وتطبيقها بمن في ذلك إصلاح الاقتصاد ومحاربة الفساد وتنويع الموارد؟ نعم هذا صحيح. لكن كيف يمكن للحكومات أن تعمل في ظل تمرد يكاد أن يكون مستمرا من قبل أهم عنصر من عناصر تكوين الدولة، وهي العشيرة التي باتت تتحول في بعض مناطقنا دولة صغيرة بمن في ذلك تغيير القاب شيوخ العشائر إلى أمراء؟ العشيرة التي يفترض أن تكون هي المدماك الأول في بناء الدولة، باتت تريد من الدولة كل شيء، بل باتت تتمدد سالبة من الحكومة أهم مبدأ من مبادئ وجودها وهو السيادة. اليست الكثير من العشائر التي تملك بعضها أسلحة متوسطة وثقيلة تزعل، إذا حاولت الدولة ممارسة أهم حق سيادي لها وهو فرض القانون. وهل الدولة «تسوى» عانة بدون قانون؟