د. حامد رحيم
هناك واقع اقتصادي عالمي تعكسه التقارير الدورية يظهر بوضوح مكانة الدولار في اغلب اقتصادات العالم، والمتغير المهم الذي يعكس تلك المكانة هو سعر الصرف، ولا إشكال اقتصاديا في ذلك ، بغض النظر عن العامل السياسي، فالدولار هو العملة المعتمدة بالشق الأكبر للتجارة الدولية، ومن ثم فإن تقييم العملة الوطنية، لاي بلد مساهم بالتجارة الدولية بالدولار أمر منطقي اقتصاديا.
وبالتأكيد فان تلك العلاقة المحددة لأسعار الصرف تبين مكانة الاقتصاد الأمريكي، باعتباره اقتصادا قائدا ضمن المنظومة الدولية بل وله صفة الهيمنة، مما رتب على ذلك وجود تأثير كبير للولايات المتحدة على النظام المالي الدولي، وقدرة على فرض عقوبات على الدول سلطة في مراقبة سير الحركة المالية، وكل ذلك له تأثير مباشر وغير مباشر على الدول المتعاملة بالدولار سواء كان ذلك التأثير سياسي او اقتصادي.
يشخص المراقب بوضوح خصوصية في جانب التجارة الدولية بسلعة النفط كونها مقومة بالدولار، ومن ثم اثر تلك الهيمنة يكون بحجم كبير نسبيا في الدول الريعية، كون تلك الدول ، بالخصوص ذات النماذج المتطرفة ريعيا كفنزويلا، اذ تصبح تلك الدول شديدة الحساسية للإيرادات الدولارية، لأنها تعتمد بشكل كبير على سلعة النفط الخام والايرادات المتأتية عنه في جوانب النشاط الاقتصادي الداخلي لها.
العراق ذو الاقتصاد الريعي شديد الاعتماد على سلعة النفط الخام بلحاظ المؤشرات الأساسية للنشاط الاقتصادي، فالايرادات العامة للموازنة يشكل النفط فيها معدل نسبة (93 %) والناتج المحلي الإجمالي كذلك نسبة النفط فيه معدل (50 %)، ناهيك عن ان السياسية النقدية واجراءاتها للسيطرة على التضخم، فالنفط يشكل المورد الأهم في تكوين الاحتياطات الدولارية وحتى الصادرات، فالنفط يشكل نسبة (99 %)
معدل.
كل ذلك لم يثنِ الحكومات المتعاقبة لإيجاد سياسات تحول تخفف من تلك النسب غير المقبولة اقتصاديا، بل عام بعد عام نلمس تمسك العقلية السياسية والإدارية بهذا الشكل من الأداء الاقتصادي، وحتى النافذة المخصصة لبيع الدولار، التي فتحت في البنك المركزي بعد عام التغيير السياسي والتي قدر لها ان تستمر بإرادة قصدية، بالرغم من تأسيسها على أنها مؤقتة وليست دائما.
ما السر وراء هذه المعادلة التي قامت على أساس خطاب متناقض من قبل الجماعة السياسية الحاكمة؟ ذلك الخطاب الذي يسوق رفض الهيمنة الامريكية على الواقع الاقتصادي مع تجذير التبعية للدولار اقتصاديا في الواقع التطبيقي ..!
لا أود الحديث عن الربط بين النمط الريعي والاستبداد السياسي واستخدام الإيرادات بصناعة الجمهور الزبائني للجماعات القابضة على الواقع السياسي، ولنسلط الضوء على عمل النافذة .
يلمس المراقب أن دور النافذة كان ولا يزال له دور محوري في تسير النشاط الاقتصادي، لارتباطه بتمويل التجارة الخارجية، وتكوين احتياطيات البنك المركزي، ومن ثم السيطرة على التضخم، هذه المعادلة لم يجري العمل على تفكيكها من قبل الإدارة الاقتصادية بل تم مسايرتها الى يومنا هذا فلا محاولات لاعادة فاعلية أدوات السياسية النقدية غير المباشرة المعطلة واقصد (سعر الفائدة والاحتياطي القانوني والسوق المفتوحة بترويج السندات طويلة الاجل) ولم يتم العمل على إيجاد منافذ تصدير أخرى غير النفط لجذب الدولار، فالإصرار واضح على بقاء النافذة للاستعاضة عن تلك الأدوات.
انه (التخادم) الضمني بين رغبة الولايات المتحدة الامريكية في ربط الاقتصاد العراقي بالهيمنة الامريكية عبر تعزيز مكانة الدولار في واقع النشاط الاقتصادي العراقي، والذي يظهر بوضوح في انشاء الحساب العراقي في الفيدرالي الأمريكي وتمويل العراق عبره، والجماعة السياسية الداخلية التي سارع بتشكيل مصارفها للدخول على خط النافذة والقيام بسحب الدولار عبر العمليات المشبوهة مثل الفواتير المزورة وغيرها ، وما يعزز تلك النظرة والتحليل، هو الدعوات للتحول من الدولار الى عملات أخرى على اثر فرض الخزانة الامريكية إجراءات (اتمت النافذة) التي قلص من قدرة بنوكهم من الحصول على الدولار واردفت بالعقوبات الامريكية على بعض المصارف، وكل تلك الدعوات كانت بعد عام 2021 أي مع انطلاق الدعوات الامريكية وهذا ما يقدم تفسيرا ولو جزئي عن أسباب عدم وجود أي اثر تنموي لتلك الإيرادات، التي عبرت الواحد والنصف ترلليون دولار، بل بالعكس كان لها الأثر في تصدر العراق لقوائم الفساد عالميا مع حساسية شديدة وارتباط وثيق بين الحدث الاقتصادي الداخلي والدولار.