الانتخابات الإيرانية.. تشددُ يستشرف مرحلة تحديات جديدة

آراء 2024/03/13
...

 محمد صالح صدقيان 

خيمت عوامل داخلية وأخری خارجية علی الناخب الإيراني بشكل خاص وعلی العملية الانتخابية بشكل عام، حيث تصدرت المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها إيران علی المشهد الانتخابي، سواء ما تعلق الأمر بتداعيات الحظر الاقتصادي، الذي تفرضه الولايات المتحدة علی الاقتصاد الإيراني ورجل الشارع العادي أو المشاكل الداخلية، علی خلفية سوء الادارة والفساد الاداري والاقتصادي وتاثيراته المباشرة علی الحالة النفسية والحياتية للناخبين الإيرانيين

أسفرت نتائج الانتخابات التي جرت في إيران يوم الجمعة الأول من مارس آذار الجاري، عن نتائج انسجمت مع التطورات والأحداث التي يعيشها الداخل الإيراني، إضافة إلی تداعيات الوضع الدولي والإقليمي. 

هذه الانتخابات حددت الخارطة السياسية للبرلمان الإيراني في دورته الثانية عشرة ؛ فيما تمَّ انتخاب أعضاء مجلس خبراء القيادة الإيرانية في دورته السادسة. 

الانتخابات الأخيرة كانت مثيرة  في تركيبتها السياسية أو في دوافع الناخبين واتجاهاتهم السياسية، حيث سجلت المشاركة في هذه الانتخابات نسبة 41 بالمئة في عموم المناطق الإيرانية، فيما كانت نسبة المشاركة في العاصمة طهران 24 بالمئة، وهي اقل نسبة مشاركة حتى الآن في الوقت الذي قاربت فيه الأصوات الباطلة مستوی 500 ألف صوت مقابل حصول المرشح الاول محمود نبويان علی مستوی 450 ألف صوت. وبلغ مجموع المشاركين في الانتخابات في عموم المناطق الإيرانية 25 مليون ناخب من مجموع 61 مليون ناخب تقريبا.

وخيمت عوامل داخلية وأخری خارجية علی الناخب الإيراني بشكل خاص وعلی العملية الانتخابية بشكل عام، حيث تصدرت المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها إيران علی المشهد الانتخابي، سواء ما تعلق الأمر بتداعيات الحظر الاقتصادي، الذي تفرضه الولايات المتحدة علی الاقتصاد الإيراني ورجل الشارع العادي أو المشاكل الداخلية، علی خلفية سوء الادارة والفساد الاداري والاقتصادي وتاثيراته المباشرة علی الحالة النفسية والحياتية للناخبين الإيرانيين؛ فيما شكلت الحريات العامة عاملا آخر أثر في سلوك الناخبين. اما الملف الخارجي فانه لم يكن بعيدا عن توجهات الناخب الإيراني بسبب انعكاساته وتداعياته علی الحياة الاقتصادية والاجتماعية، كالعلاقة مع الدول الغربية وتحديدا الامريكية منها ؛ والانخراط في الملفات الاقليمية واحساس الناخب بتاثير ذلك علی حياته المعيشية ومتطلباتها المختلفة.

لقد امتازت الانتخابات الأخيرة برفض التيار الاصلاحي تقديم قوائم انتخابية، كما كان يفعل في الانتخابات السابقة، بسبب ما قاله عدم وجود مرشحين رئيسين تابعين لهـ بعد أن رفض مجلس صيانة الدستور أهلية غالبية المرشحين الاصلاحيين ؛ في حين رأس النائب المحافظ المعتدل علي مطهري نجل المفكر الإسلامي الراحل مرتضی مطهري قائمة يتيمة “صوت الشعب” لم يكتب لها النجاح من ألفها إلی يائها. اما التيار الأصولي الذي خاض الانتخابات لوحده تقريبا، فإنه توزع بين أربع قوائم رئيسية، عكس التنافس الحاد الذي شهده هذه التيار في أوساطه والذي شهد احتكاكا شديد اللهجة في الخطاب والممارسة بين المصنفين بالاعتدال والتشدد من اقصی اليمين إلی أقصی اليسار في هذا التيار الذي كان سابقا يدخل الانتخابات بقائمة موحدة تعبر عن توجه التيار السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، لكن المرة هذه اختلف بشكل حاد، ما حدا بالمرشد الإيراني الأعلی الی الدعوة للكف عن المناكفات السياسية والشخصية التي تفسد اجواء الانتخابات، التي رای فيها بانها عبرت عن ارادة المواطنين في المشاركة بصنع القرار عبر مؤسساته الدستورية المختلفة، التي تتم عبر صناديق الاقتراع. هذا الاصطفاف السياسي أدی إلی توزيع الأصوات، الامر الذي جعل فقط 14 مرشحا من مجموع أعداد دائرة طهران تفوز في هذه الانتخابات، فما أُرجِئ 16 آخرون لدورة ثانية، وهي ظاهرة لم تشدها الانتخابات الإيرانية من قبل، ولها دلالة واضحة في المشهد السياسي الإيراني. 

وفي النتائج؛ لم يستطع رئيس مجلس الشوری البرلمان محمد باقر قاليباف الذي رأس إحدی القوائم الرئيسية للتيار الاصولي من الفوز بالرقم واحد في العاصمة طهران، بل إنه جاء الرابع في عدد الأصوات، مما جعل عديد المراقبين يعتقدون بأنه لن يتمكن الحصول علی رئاسة البرلمان في دورته الجديدة، مقابل الفائز الاول محمود نبويان الذي حرق ذات يوم من العام 2015 “الاتفاق النووي” امام منصة رئاسة البرلمان؛ أو حميد رسائي الذي يقف إلی أقصی اليسار في التيار المتشدد؛ في الوقت الذي خسر محمد باقر نوبخت معاون الرئيس الإيراني السابق وكذلك النائب المحافظ البارز محمد رضا باهنر القريب من رئيس البرلمان الاسبق علي لاريجاني.

وفي حقيقة الامر أن هذه النتائج كانت متوقعة الی حدٍ بعيد، بسبب عزوف الوسط الشعبي المعتدل والإصلاحي من التوجه لصناديق الاقتراع، وهم اللذين شكلوا نسبة 60 بالمئة من عموم من يحق لهم التصويت ؛ فيما شارك الوسط الأصولي والذين هم بمستوی 40 بالمئة من الناخبين. أما أعداد الأصوات الباطلة والتي بلغت اعلی من الاصوات التي فاز بها الرقم واحد في العاصمة طهران، فإنها تدل علی أن هناك نسبة كبيرة من المواطنين، لا يعارضون النظام السياسي بقدر معارضتهم لأداء الاجهزة التنفيذية واخفاقها في حل مشكلات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا فئة الشباب التي يبحث عن فرص عمل وتشكيل الحياة بكل تفاصيلها وجزئياتها. 

وأمام هذه النتائج يبدو واضحا أن المعتدلين في التيار الاصولي لم يُكتب لهم الحظ والنجاح في الاستحواذ علی غالبية المقاعد البرلمانية، حيث تراجعوا لصالح المتشددين في حزب بايداري “الصحوه” المتشدد، حيال عديد الملفات الداخلية والخارجية فهو يعارض بشدة إعطاء المزيد من الحريات العامة، خصوصا تلك المتعلقة بالمرأة أو المتعلقة بعلاقات إيران الخارجية، فيما يدعو المواطنين الی تحمل الأعباء الاقتصادية من أجل استقلال القرار السياسي.

ويظهر جليا من ذلك أننا أمام مرحلة جديدة من التشدد في المواقف، خصوصا أنها تنسجم مع التطورات والتحديات، التي تحيط بإيران سواء في الإقليم أو خارجه، وهي تستشرف نتائج الانتخابات الامريكية الرئاسية التي تجری في نوفمبر القادم. 

يبقی ملف انتخابات مجلس خبراء القيادة الإيرانية والخارطة السياسية في دورته الجديدة التي تستمر لمدة ثمان سنوات فلنا معه حديث قادم.