سيكولوجية الاعتدال

آراء 2019/05/27
...

سعد العبيدي
جاء العراق من حيث الموقع والظروف السياسية والاقتصادية والنفسية وسط أزمة صراع بين دولتين قويتين، مستمرتين سوية حتى هذه اللحظة في زيادة التأزيم، وكأنهما في لعبة جر حبل ولابد من أن يتحدد لها فائز منهما، والفائز هذه المرة سيكون الأقوى في القدرة على التحمل والمطاولة. لكن العراق الذي جاء وسطهما مرغماً، سيكون من الصعب على حكومته تجنيبه بلداً نامياً الرذاذ المتطاير من هذه الأزمة وان كانت مجرد عملية شد وجذب، أما اذا تطور الموقف لمستوى الصدام المسلح لا سمح الله فسيكون من المستحيل على الحكومة والشعب معاً تجنب الآثار المباشرة وغير المباشرة لها إذ ان الحكومة وان استطاعت ان تضبط وقع حركتها وتسيطر على متغيرات التأثير بتبنيها سياسة الاعتدال، سيكون من المستحيل السيطرة على النهايات السائبة لشعب توزع بين اتجاهات المنطقة منهم مؤيد ومعارض. وسيكون من السهل القول ان الموقف العراقي صعب، والحلول أو الخيارات المتاحة امام حكومته وقواه السياسية قليلة يأتي أعلى قمتها السير على طريق الاعتدال، وهي وان سارت عليه كما يبدو من مؤشرات السياسة، لكن السير وحده سوف لن يكون كافياً، ولكي يكون كافياً لابد من ان يصاحب بفعاليات وتحركات تبدأ من الداخل: 
جهد حثيث لإقناع الفصائل المسلحة التي لم تضع سلاحها جانباً لصالح الاعمار والبناء حتى هذه اللحظة، في ان تهدأ وتدفع منتسبيها لأن يهدؤوا، اذ شاهدنا في اطار السلوك العام قلة انضباط قد تدفع أحد المنتسبين ومن دون الرجوع للأعلى لتنفيذ عمل انتقامي من دولة او جهة يمقتها هو من دون تقدير او حساب للتبعات. 
وجهد مواز في مجال الاعلام، حيث الحاجة ان تقنع الحكومة الأحزاب السياسية ووسائل اعلامها بالاعتدال الذي تسير على خطاه، وتترجم هذا الاعتدال بالوقائع التي تذكرها وبنشرات الاخبار التي تبثها، وبالقصص الميدانية التي تتداولها، وهذا جهد اثبتت وقائع السياسة منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا، صعوبة تحقيقه، ومع هذا فالمحاولة يمكن أن تكون مفيدة ولو بقدر بسيط.
ان الحاجة في واقع الحال قائمة أيضا باتجاه الخارج، دولاً ومنظمات لتبيان المواقف وشرح التوجهات، لتجنب التفسير الخاطئ الذي وفي حال حصوله سيكون من الصعب تفادي التبعات وتعديل المسار، وعلى هذا لابد من أن يكون هناك جهد سياسي في هذا المجال، خاصة وان العراق يرتبط بكلا البلدين المتصارعين بعلاقات خاصة من ذاك النوع الذي يصعب انهاؤها من دون دفع الثمن. والثمن في زمن الأزمات يكون في المعتاد كبيراً. 
ان الموقف حتى الآن يعد خطيرا، وسياسة الاعتدال التي انتهجتها الحكومة صحيحة، والمستقبل يصعب التنبؤ به، الأمر الذي أصبحت فيه الحاجة ملحة الى تفهم الكتل السياسية أبعاد الموقف ومخاطره، والوقوف مع الحكومة ومساعدتها لإدارة آلية الاعتدال وبما يجنب العراق أية خسائر محتملة.