العراق بين عهدين .. رؤية مختلفة

آراء 2019/05/27
...

حمزة مصطفى
 
 
كانت تجربة الدولة العراقية الحديثة منذ قيامها عام 1921 بعهديها الملكي (1921ـ 1958) والجمهوري (1958 ـ 2003) موضع نقد وفحص لعدد كبير من المؤرخين والأكاديميين والمفكرين والكتاب والباحثين في مختلف التخصصات والفروع والميادين. وبالرغم من اختلاف المناهج والرؤى والأفكار التي سادت كل ماكتب عن تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي فإن ماصدر عن علي الوردي سواء في كتابه “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث” لاسيما الأجزاء التي تناولت ثورة العشرين وماتلاها فضلا عن كتبه الأخرى ومنها “وعاظ السلاطين” أو “إسطورة الأدب الرفيع” أو سواها يمثل رؤية مختلفة عما كتبه حنا بطاطو في كتابه المهم “العراق” بمجلداته الثلاثة. والأمرنفسه يختلف عما قدمه المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه “تاريخ الوزارات العراقية” أو حسن العلوي في “الشيعة والدولة القومية” وربما المئات من الكتب والمذكرات والأطاريح الجامعية والدوريات والمجلات المتخصصة وسواها مما يمكن عده مكتبة ضخمة لتجربة هذه الدولة في كلا العهدين.
لكن مايلفت النظر حقا أن هناك  صورة نمطية تكاد تكون ثابتة عما يمكن عده فارقا نوعيا بين العهدين الملكي والجمهوري. فالعهد الملكي الذي تم اختزاله في الغالب بعبارة واحدة ملتبسة هو “عهد نوري السعيد” إنما هو عهد جميل وجليل وعظيم بينما العهد الجمهوري في الغالب هو عهد دمار وخراب وفساد ونظم  سياسية شمولية ودكتاتورية لم يتمكن العراق خلالها من تأسيس تجربة دولة. هذه هي الصورة النمطية التي أكاد أقول لايوجد خلاف كبير عليها.
لكن للباحث جعفر الحسيني رؤية مختلفة تماما وذلك عبر كتابه “ثورة في العراق .. 1936 ـ 1958) الصادر بطبعته الثانية عن دار الروسم عام 2018 رؤية مناقضة تماما لكل ما كتب وقيل. فالمؤلف الذي وضع للكتاب عنوانا فرعيا هو”نقد تجربة الدولة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري” يرى عبر أقسام كتابه الثلاثة “اسباب سقوط العهد الملكي, وثورة 14 تموزعام 1958, وعهد عبد الكريم قاسم” أن الصورة التي كتبها المؤرخون والباحثون والمفكرون والدارسون لم تكن سليمة الى حد كبير.
صحيح أن المؤلف الذي استند الى عشرات المصادر في مختلف التخصصات يرى أن من الإنصاف القول أن هناك فرقاً بين العهدين الملكي والجمهوري فإنه يفرق أيضا بين حقبتين بالعهد الجمهوري وهما الحقبة من 1958 ـ  1968 والحقبة من 1968 الى 2003. المؤلف لم يتطرق الى مرحلة مابعد عام  2003 والتي ربما يخصص لها دراسة أخرى ووفق معطيات تختلف عما تناوله عبر تاريخ الدولة العراقية الحديثة الذي ناف على الثمانين عاما (1921ـ 2003).
قد يكون من الصعب إيصال كامل فكرة الكتاب للقارئ عبر حيز صغير لعمود صحفي لكني وجدت أن أحيط القارئ  علما بأن تاريخ العراق الحديث لايزال قابلا للدراسة من زوايا مختلفة.أختم بما بدأ المؤلف جعفر الحسيني مقدمة كتابه حيث يقول “أخذ العراقيون يتحسرون على العهد الملكي نظرا لما عانوه فيما بعد من انقلابات “. وفيما يرى المؤلف أن  عهد نوري السعيد أفضل من بمالايعد من المرات من عهد صدام ومجازره وكذلك أفضل من عهد عبد السلام عارف لكن العهد الملكي هوالمسؤول  الأصلي عن كل ماعاناه العراق لأنه أسس طبقا لما يراه الكاتب الفرنسي جان بيير لويزار دولة ضد مجتمعها”.ص 9
وعبر  360 صفحة من القطع الكبير يجيب المؤلف على فرضية لويزار بما يراه من أدلة ومعلومات ووثائق واستنتاجات.