ميناء وِنستون أم ميناء بايدن العائم

آراء 2024/03/14
...

سناء الوادي

ما أشبه اليوم بالأمس أفعالاً وما أبعده في النوايا والأهداف، فها نحن مذ ذكرت كلمة الإنزال الجوي المظلي للمساعدات إلى الناس الجوعى في قطاع غزة، تبادرت إلى الأذهان تلقائياً سرديات الإنزال الجوي النورماندي إبان الحرب العالمية الثانية، والذي مثل النقطة الفاصلة في ميزان الحرب لصالح الحلفاء فقد تمَّ على إثرها تحرير أوروبا من براثن النازية الهتلرية
 ليطوي التاريخ أيامه سريعاً، لنشهد إنزالاً إغاثياً لفلسطيني غزة لإنقاذهم من براثن النازية الإسرائيلية، فالمساعدات الغذائية الدوائية الأمريكية تهبط من السماء، بينما شحنات السلاح الفتاك تصل للكيان المحتل من كل حدبٍ وصوب.
يا لها من سخرية للأقدار فاقمها تخاذل الإخوة والأشقاء وفقدانهم الحيلة والحنكة ليجد سيد البيت الأبيض لها سبيلاً، فإنه لاكتمال الصورة الإنسانية الرحيمة التي تجسدها واشنطن، لا بد من إنشاء ميناءٍ عائم على شاطئ غزة يستقبل كبرى السفن المحمّلة بالإغاثات ونقلها لأهل القطاع، هذا ما أعلنه «جو بايدن» الخميس الماضي في مؤتمر حالة الاتحاد، ووفقاً لمبادرة قبرصية تعتمد على جمع المساعدات في مدينة لارنكا الساحلية، حيث ستخضع تلك الشحنات للتفتيش الإسرائيلي قبل إرسالها لساحل غزة على متن سفينة عملاقة للشحن مع مرافقة عسكرية أمريكية ولإتمام هذه المهمة أفرزت للواجهة ضرورية إنشاء ميناء عائم مصنّع بمساحة ستة كيلومترات مربعة يحوي بين جانبيه مشافي ومساكن مؤقتة يلاصق ساحل
غزة. هذا وبعد هذه النبذة الأولية لقصة الميناء الذي لم نجد له مثيلاً في السنون السابقة سوى ميناء ونستون، الذي أٌنشئ لغرض استقبال مليوني جندي للحلفاء على السواحل النورماندية، أمَّا لو أردنا الغوص في أعماق النوايا الأمريكية من طرح هكذا فكرة قد تستلزم أسابيع عدّة لبنائها في ظلّ حاجة إغاثية ملحة للقابعين تحت القصف والحصار الخانق منذ خمسة شهور خلت، فواشنطن التي فشلت ظاهرياً للعيان بإنجاح هدنة تتضمن وقف إطلاق النار والتي كان من المتوقع البدء بها قبل دخول شهر رمضان المبارك، وأخفقت بالضغط على ربيبتها إسرائيل لإدخال الشاحنات، التي تقف على الحدود المصرية بانتظار الإذن بالسماح، فهل تستخدم بلاد العم سام ذريعة إيصال الدعم لتنفيذ الأجندة التي لم تألُ جهداً لجعلها واقعاً بشتى الوسائل، فبعد قتل 37 ألف فلسطيني حتى الآن وجرح ما يفوق عن الثمانين ألفاً وبعد الوقوف المصري الباسل كشوكة في حلق مخطط التهجير القسري، وبعد مسلسل الجوع الذي بات يفتك بالأرواح البريئة فضلاً عن تكذيب السرديات الإسرائيلية وفضح إجرامهم للرأي العام العالمي، بات الجميع يدرك أن مسعى إسرائيل لتصفية القضية وأصحاب الأرض متسارعاً خاصةً بعدما طفت على السطح السمة الدينية لهذه الحرب، إذ أنه بوصول اليمين المتطرف لسدة الحكم في تل أبيب والمجاهرة على لسان رئيس الحكومة بمصطلحات توراتية من العهد القديم، تهدف لإنهاء الأغيار من الوجود على أرضهم المقدسة تمهيداً لبناء هيكل سليمان، لكنَّه وعلى المقلب الآخر غير خافيةٍ على أحد أطماع الولايات المتحدة الأمريكية بالغاز المكتشف في شاطئ غزّة، وغير المُستثمر حتى اللحظة ولربما يفتح لهم الباب على مصراعيه بحفر قناة بن غوريون التي ستجعل من إسرائيل الدولة المحورية في الشرق الأوسط والمتحكمة بعقدة الطرق التجارية الأكثر أهمية بين الشرق والغرب، وإنه بإنشاء الميناء العائم الذي لابد من التواجد العسكري الأمريكي لإنزال البضائع، وكذلك الإسرائيلي ما يعني حكماً السيطرة للجانبين على المياه الإقليمية تلك وقطع أي تحركات للفصائل الفلسطينية هناك، وكما أسلفتُ الذكر ففي ملاصقة هذا الميناء للشاطئ تمهيداً للفلسطينيين الطامحين بحياة أفضل سبيلاً آمناً وسهلاً للخروج إلى قبرص وبعدها إلى أوروبا وهذا ما سمّاه وزير المالية الإسرائيلي «سموتريتش» الهجرة
الطوعية.
وفي ظلِّ ما سبق ذكره فإن الترحيب الكبير من قادة الكيان بهذه الحيلة الإنسانية يؤكد التواطؤ الغربي الأمريكي معه والوقوف خلفه، ومن المحتمل أن تكون الورقة الانتخابية الرابحة بيد الرئيس الأمريكي كمحاولة لاسترضاء اللوبي الصهيوني في خضم المعركة المحتدمة مع خصمه دونالد ترامب المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل، فتقديم الإغاثة بشكل جدّي وعاجل يتم أيضاً من معبر رفح لو أرادت ذلك حقاً.

 كاتبة سورية