فلسفة الدولة

آراء 2024/03/14
...

ميادة سفر

تعتبر الدولة كمفهوم اجتماعي وسياسي من أهم المفاهيم الفلسفية التي أثارت ولا تزال العديد من الأسئلة والتحليلات من قبل الفلاسفة والمفكرين، وحظي هذا المفهوم باهتمام كبير وصدرت مؤلفات كانت الشرارة التي أشعلت وصنعت الكثير من التحولات في تاريخ شعوب العالم، فالدولة كما رأت الفلسفة الحديثة ليست وليدة الصدفة، ولا أمراً عارضاً في التاريخ، وهي لم تخلقها الآلهة ولا انبثقت من الطبيعة، إنها نتاج إرادة بشرية وخيار أفراد أرادوا الخروج من المفهوم، الذي حاول رجال الدين ولقرون طويلة فرضه عليهم، إلى أن جاء الفلاسفة وقالوا كلمتهم الفصل، التي ساهمت في الانتقال من المجتمع البدائي ومن السلطة المستمدة من الآلهة إلى المجتمع المنظم المتمثل بالدولة نظاماً سياسياً.
تاريخياً ظهرت فلسفة الدولة منذ العصور القديمة مع فلاسفة مثل أرسطو وأفلاطون، اللذين اهتما بالبحث عن طبيعة الدولة المثالية وكيفية تحقيق العدالة والسلام فيها، فالدولة عند أرسطو تقوم على الأخلاق، والمنهج الأرسطي منهج علمي تحليلي يقوم على المقارنة والتصنيف، بينما نظر أفلاطون إلى الدولة كما يجب أن تكون بغض النظر عن واقعها، إلا أنهما يلتقيان بأن غاية الدولة هي تحقيق العدالة والخير العام لكل مواطنيها، ومنذ ذلك الحين ستتطور النظريات الفلسفية التي تبحث في مفهوم الدولة وتتغير مع تغيرات العصور والحضارات.
سيأتي بعدهما الكثير من الفلاسفة الذين قدموا تجاربهم وأفكارهم حول بناء الدولة، تلك الأفكار التي تأثرت حتماً بالأحداث التي عايشها كل منهم، فقد كان توماس هوبز على سبيل المثال متأثراً بالحروب الدينية التي سادات في أوروبا، لذلك نجده ابتكر أسطورة السلطة المطلقة، واعتبر الحكم المطلق ضرورة حتمية لحماية المجتمعات من الفوضى، تلك الأفكار التي ضمنها هوبز في كتابه “ اللفياثان” الذي وضعه عام 1651 والذي سيعتبر من الكتب الفلسفية المؤسسة، وتعرض بسببها للانتقادات الشديدة على اعتبار أنه يدعو للحكم المستبد وفقاً لمعارضيه.
إلى جانب هوبز ظهرت العديد من النظريات الفلسفية التي تناولت بناء الدولة، منها نظرية العقد الاجتماعي التي نظرّ لها جون لوك وجان جاك روسو وأنطونيو غرامشي، التي اعتبرت أنّ الدولة ماهي إلا نتاج اتفاق اجتماعي بين الافراد لحماية حقوقهم وحرياتهم، وما الحاكم إلا وكيل عن الشعب يمثله ويرعى مصالحه.
اعتمدت نظريات الفلسفة السياسية التي ناقشت مفهوم الدولة ودورها في الحفاظ على النظام وتحقيق العدالة والازدهار الاقتصادي للمجتمع، على مجموعة من القيم والمبادئ مثل العدالة والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، التي تشكل بمجملها أساساً لبناء الدولة المنشودة، ومن خلال تطبيق تلك المبادئ وتعميم القيم تتمكن الحكومات من تحقيق الاستقرار والرخاء للمواطنين. إلا أنّ الجدير بالملاحظة أنّ بناء الدولة الفلسفي قد واجه تحديات عدة، مثل توزيع الثروة بشكل عادل، وحماية الحريات الفردية، والتعامل مع قرارات سياسية حكيمة ومدروسة من قبل الحكومة لضمان استقرار الدولة واستمرارها، وهو ما أبعد الكثير من الدول والحكومات عن تحقيق الدولة المثالية التي تسعى إليها الشعوب، وأفرز الأشكال المعروفة اليوم من حكومات استبدادية وغيرها ممن أبعدت مفهوم الدولة عن أساسه الفلسفي الذي بني عليه وعن قيمه الأخلاقية ومبادئ العدالة والحريات.