الشاعر الشعبوي

ثقافة شعبية 2024/03/14
...

كاظم غيلان

اختلفت الآراء، واختلطت العديد من المفاهيم في معنى الشعبويَّة على مستوى الشعر، فهي ليست تلك التي أوردتها مفاهيم تاريخيَّة لا سيما في الحقبة العباسيَّة، ولا تلك التي تطلقها آراء مرتجلة في ظل فوضى مشهدنا الثقافي.
ولطالما اختلف معي العديد من الأصدقاء في تسمية شعر العامية إذ يجدون في مفهومه الراسخ أو بالأحرى التسمية التي يصرون عليها (الشعبي) وكأنَّ تسمية هذا اللون بالعامي تهمة أو تجنيا، تلك قناعات لهم الحق بها ربما.
والشعبي غير الشعبوي تماما، فالأخير يرتبط بمميزات بعيدة عن الجوهر الجمالي للشعر، كواحدٍ من الفنون الإنسانيَّة التي رسخت في وجداننا منذ الأزل.
الشعبويَّة - وهذا رأي شخصي - لربما لا يرضي عدداً كبيراً ممن يطلعون عليه، تقترب جداً وإلى حدِّ التماس من - التعبويَّة - أما كيف؟
القصيدة التعبوية أو الشعر التعبوي عموماً يتخذ أغراضا واضحة، مباشرة، تعمل على تهييج مشاعر الناس وتحريضها ودفعها للتخلي عن عواطفها بكل ما تحمل من رقة وعذوبة لتستبدلها بلغة القتل والموت والدمار، وهذه جميعها تفرغ الشعر من محتواه الإنساني.
 وذلك ما حصل لعموم ثقافتنا العراقية خلال الحرب مع إيران، ليس في الشعر وحده، إنما في مجمل الفنون والآداب، ولعلنا نحن الذين عشنا سنوات الحرب نتذكر سلسلة روايات - تحت لهيب النار- أو - المعركة - مثلما نتذكر أغاني الحرب ومسرحياتها وفنونها التشكيلية، ولقد حظيت جميعها بدعم ورعاية حكومية كبيرة إذ وظفتها لصالح مهمتها كطرف قائد في الحرب التي ساقت لجحيمها أجيالاً لم تتخلّص من تركاتها النفسيَّة للحظة.
الشعبويَّة تعتمد ذات النزعات المفرّغة من الجمالي في خطابها ووسائل تعبيرها ولن يكلفها عناء الخلق والإبداع بقدر تهييج مشاعر الشرائح المتواضعة وعيا وسلوكا .
الشاعر الشعبوي لن يشغله سوى هوس التصفيق المجاني وتشجيع المؤسسات التي تتخذ منه وسيلة لتلبية أغراضها النفعية، ويتحول من ثم إلى مرتزق دائم التسول على بواباتها .
الشاعر الشعبوي ليس هو بالشاعر الجماهيري أو بالأصح - الشعبي- الذي تجده منحازاً لقضايا ترتبط بآمال وأهداف وقضايا يخوضها شعبه بمواجهة حكومات أذلته وقمعته وصادرت حريته وتعمل على تكميم فمه. ولربما يدفع حياته ثمناً لانحيازه هذا، وأقول (ثمناً) لأنّه ثمينٌ وليس بالرخيص كما- الشعبوي- الملبي لحاجات فئة وجدت فيه صوتها عبر تهريج وابتذال في مضامين تتقاطع تماماً مع أغراض الشاعر الحقيقي ممثلة بالعدل والحرية والمساواة .
في انتفاضة شعب مصر رابط ثنائي احمد فؤاد نجم والشيخ امام في ميدانها مع شعبهم فكانا بحق ثنائيَّاً جماهيريَّاً بخلاف ما فعله ويفعله العديد من الشعبويين، وهذا ما أردت تلخيصه لفضِّ اشتباك مسمّيات غدت سائدة في متناول كتابات وأحاديث غير مسؤولة.