{طالعه من بيت أبوها}.. أغنية عراقيَّة تبحث عن هويتها

ثقافة شعبية 2024/03/14
...

 يرويها: عادل العرداوي


خلال بحثي المتواصل في الموروث الشعبي العربي، تقع بين يدي معلومات وأسرار كثيرة بالصدفة أجد من المناسب عرضها وإظهارها لعلنا نحصل على معلومات أخرى توصلنا في نهاية المطاف إلى شاطئ الحقيقة الذي نجد السير للبحث عنه والرسو عنده ... من منا لم يسمع بالأغنية العراقيَّة الجميلة والقديمة الجديدة التي صدحت بها حنجرة مطرب العراق الراحل ناظم الغزالي في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي وأعني بها (طالعه من بيت ابوها، رايحه البيت الجيران.. الخ)،


وهي واحدة من أجمل أغاني الغزالي التي انتشرت أيضاً في معظم أرجاء البلدان العربيّة، وأداها من بعده عشرات المطربين والمطربات من العراقيين والعرب وما زالت كذلك حيَّة متوقدة في أذهان وذاكرة الناس الذوّاقين للجمال وللكلمة المؤثرة والبسيطة واللحن الساحر والأداء المرهف لفنانا الغزالي (1921 - 1963).
أرشيف الأغنية المذكورة يقول إنّها من تأليف الشاعر الغنائي الشهير والراحل جبوري النجار، ومن ألحان الفنان ناظم نعيم وهي مسجلة لاذاعة بغداد في حينها. الذي لفت انتباهي لهذه الأغنية الخالدة وأنا أواصل قراءة فصول كتاب (الاغنية الشعبية/ مدخل لدراستها) من تأليف أستاذي المصري الراحل (الدكتور أحمد مرسي) المتخصص بالمأثور والتراث الشعبي المصري والعربي (رحل قبل عام من الآن) خاصة عندما وصلت في القراءة إلى الصفحة (99) ضمن فصل (المرحلة الثالثة/ مرحلة الانتقاء أو الانتخاب)، إذ وجدت الدكتور مرسي وهو يتحدث عن خصائص الأغنية الشعبيّة المصريّة يستشهد بنص شعري مصري غنائي قريب جداً من نصّنا الشعبي العراقي وهاكم ما يقول :
المغنية:
انا گلت: ياعروسه وريني
على حنكك وفرجيني ..
گالت روح يامسكين.. دنا حنكي خاتم سليمان.. ياعيني ...
المرددات :
روح الجناني روج.. بص ع الفيتان وتفرج..
المغنية:
أنا گلت ياعروسه وريني،، وعلى شعرك فرجيني ..
گالتلي روح يامسكين، أنا شعري سلب جمال ياعيني ...!
انا گلت ياعروسه وريني، على اعيونك وفرجيني ..
گالتلي روح يامسكين، دعيوني اعيون الغزلان.. ياعيني ..!
وهي من الاغاني الشعبية المنتشرة في الريف المصري ..!
ليس هذا فقط وخلال بحثي عن جذور هذه الأغنية وجدت أنّها منتشرة في بلاد الشام (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن) وأداها اكثر من مطرب ومطرب في السنوات الماضية ولعل مطرب القدود الحلبيَّة المرحوم صباح فخري كان من أشهر من أداها، ووجدت في كلماتها تشابهاً وتغيراً طفيفاً عن النص العراقي.. فالنص الشامي يقول:
طالعه من بيت ابوها، رايحه لبيت الجيران ..
لابسه الأبيض والاحمر .. والعيون تضرب سلام ..
گلتلهه ياحلوه ارويني وعلى طولك فرجيني ..
گالتلي روح يامسكيني .. ياطولك قوام البان ..
گلتلهه ياحلوه ارويني على اعيونك فرجيني. گالتلي روح يامسكيني اعيوني اعيون الغزلان ..
گلتلهه ياحلوه ارويني وعلى صدرك فرجيني ..
گالتلي روح يامسكيني ياوجهي قمر نيسان ..
گالتلي روح يامسكيني، صدري فسحة ميزان ..!
(ملاحظة النص الشعري الشامي لم يلتزم بالقافية ..!). ونختم حكايتنا هذه بالنص الشعبي العراقي الذي أداه المرحوم الغزالي ويقول:
طالعه من بيت ابوها رايحه لبيت الجيران ..
فات ما سلّم عليه، يمكن الحلو زعلان..!
گلتلهه ياحلوه ارويني، عطشان ميه ارويني ..
گالتلي روح يامسكيني، مينا مايروي العطشان ..!
وگلتلها ياحلوه ارويني، وعلى طولچ فرجيني
گالتلي روح يامسكيني .. يطولي نبعة ريحان
گلتلهه ياحلوه ارويني، وعلى اعيونج فرجيني
گالتلي روح يامسكيني اعيوني اعيون الغزلان
وكان المرحوم الغزالي عندما أداها لاول مرة قدم لها بأبيات شهيرة من الشعر العربي الفصيح يقول مستهلها:
سمراء من قوم عيسى من أباح لها
قتل امرئ مسلم قاسى بها ولها .. الخ ..
اطرح هذا الموضوع الطريف على أنظار المهتمين بالشأن الغنائي العراقي والعربي من الملحين والشعراء والمؤدين والنقاد لفك هذا الاشتباك بأدلة علميّة مقنعة، بالرغم من قناعتنا من أن (طالعه من بيت ابوها) قد حصدت جمهوراً عربياً واسعاً من المتذوقين وعشاق الفن
الأصيل.