الاستفتاء

آراء 2024/03/17
...

 ساطع راجي


باستثناء عملية الاستفتاء على الدستور العراقي في 15 تشرين الأول 2005، لم يشهد العراق خلال عشرين عاما، أي عملية استفتاء أخرى، رغم ان الاستفتاء هو الأصل في النظام الديمقراطي، حيث يعبر المواطنون عن مواقفهم تجاه القضايا بشكل مباشر، وبعيدا عن مناورات وصفقات الكتل والنواب والأحزاب.

في النشأة الأولى للديمقراطية في نظام “دولة المدينة” كان المواطنون الاحرار الراشدون (الرجال غالبا) يتخذون القرارات في القضايا الهامة عبر التصويت بنعم أو لا على المقترحات المقدمة كحلول للقضايا الخلافية، وتحتل سويسرا مرتبة متقدمة في تنظيم الاستفتاءات بين دول العالم إذ تعود الحكومة ومعها البرلمان إلى المواطنين في كثير من القضايا ليحسموا الخلافات، كما تلجأ دول أخرى في الديمقراطيات المتقدمة، لمثل هذه الاستفتاءات مثلما فعلت بريطانيا عندما قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي.

جوهر عملية الاستفتاء هو العودة إلى المواطنين ليعبروا بشكل مباشر عن مواقفهم، ويمكن اعتبار اللجوء إلى الاستفتاء بمثابة اعتراف من القوى السياسية بحق المواطنين في ممارسة السياسة بشكل مباشر بعدما وصلت هي إلى طريق مسدود أو شعورها بأن القضية المطروحة خطرة والقرار فيها يفوق قدرتها على تحمل المسؤولية، والاستفتاء يجبر القوى السياسية المنظمة للعملية الاستفتائية على تقديم صياغات واضحة ومبسطة للمواطنين ليقولوا رأيهم في القضايا بـ(مع أو ضد) أو بـ(نعم أو لا)، طبعا بعد اتاحة فرصة مناسبة للحوارات وطرح الآراء والمعلومات بين عامة المواطنين والقوى السياسية والمختصين.

تردد أي نظام سياسي في اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي الحر في القضايا الحساسة، دليل على رغبة قوى الحكم في الاستئثار المطلق بالقرار وتعبير عن قناعتها بقصور الشعب أو أغلبيته عن إدراك مصالحه بنفسه، رغم أنها جاءت عبر تصويته لتخلق جدارا عازلا بين المواطن وعملية صنع القرار، لتخوفها من عدم السيطرة على توجهات الدولة أو الذهاب في اتجاهات لا تحقق مصالح قوى الحكم، ولا تتيح لها فرصة المناورة والضغط والتلاعب والتكسب في عمليات التصويت داخل البرلمان، رغم أن ذلك سيعني إبقاء الكثير من القضايا معلقة.

في العراق اليوم، ملفات كثيرة بحاجة إلى حسم عبر الاستفتاءات الشعبية، منها ما يتعلق ببنية النظام السياسي بعدما وصلت عملية تعديل الدستور إلى طريق مسدود ولا مبالاة القوى السياسية بها، وتوجد أيضا ملفات سياسية مرحلية تعجز القوى السياسية عن تحمل مسؤولية القرار فيها، والتحلي بالجرأة في اعلان مواقفها تجاهها، ولذلك فإن المواطنين هم الاجدر بحسمها، وستحظى الاستفتاءات بمقبولية أكبر من الانتخابات البرلمانية لعدم وجود معادلات وقوانين انتخابية ومؤسسات معقدة، فالإجابات حاسمة، نعم ولا فقط كما أنها تبعد عامل المناورة الكتلوي في البرلمان، وهي أكثر عملية وواقعية في صنع القرار، وللوقاية يمكن تحصين الاستفتاءات دائما بنسبة مشاركة تصل إلى الخمسين بالمئة من الناخبين أو أي نسبة محترمة بحسب أهمية الموضوع للاعتراف بنتيجة 

الاستفتاء.