قرارات المحكمة الاتحاديَّة.. ضمانة لدستوريَّة إقليم كردستان

آراء 2024/03/18
...


 فائق يزيدي

أثارت قرارات أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا مؤخرا تتعلق بإقليم كردستان الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض لها، ففي يوم واحد أصدرت المحكمة قرارين في دعوتين أقيمتا لديها في ما يتعلق بأزمة رواتب موظفي الاقليم وإجراء الانتخابات البرلمانية فيه، حيث قضت في الأول بجملة إجراءات ألزمت فيه المحكمة، كلا من الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان بمعالجة أزمة تأخر صرف رواتب موظفي الاقليم، من خلال توطين رواتب موظفي الاقليم في البنوك الاتحادية، إسوة بباقي موظفي العراق، معتبرا صرف راتب شهر واحد خلال شهرين أو ثلاثة انتهاكا لحقوق المواطن، وهو ما يدل على أن المحكمة الاتحادية اعتمدت مبدأ المواطن أولا في قرارها، وقد اعتبره الموظفون في كردستان انتصارا لهم وانصافا من أعلى سلطة قضائية لهم، حتى أن محافظة السليمانية شهدت تظاهرات تشكر المحكمة الاتحادية وتدعو للإسراع بتطبيق القرار.
أما القرار الثاني وهو الذي كان يخص تنظيم إجراء الانتخابات في الاقليم، حيث قررت المحكمة الاتحادية تقليص عدد مقاعد اعضاء البرلمان إلى 100 عضو بدلا من 111 عضوا، وهو ما يعني ضمنيا إلغاء 11 مقعدا وهي التي كانت تحتسب مقاعد للكوتا، لكن الإشكال الذي كان حاصلا بشأن هذه المقاعد أثر بشكل كبير على المسار الديمقراطي ومفهوم الانتخاب والتمثيل الحقيقي للناخب، كما أن المحكمة قررت أن تحل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات محل مفوضية الانتخابات في الاقليم، فضلا عن أن المحكمة قررت أن يقسم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية، بدلا من دائرة واحدة، وهو أيضا ما يعني دعما وتعزيزا لدور الناخب وضمانا لتمثيله بشكل حقيقي في البرلمان، أي أن القرار هذا أيضا اعتمد مبدأ المواطن أولا.
هذه القرارات التي أصدرتها المحكمة الاتحادية وحسب تأكيدات ذوي الاختصاص من القانونيين، توافق الدستور العراقي ولا تتناقض مع مبادئه، بل إنها تثبت أن المحكمة الاتحادية تلعب دورا مهما وأساسيا في تعزيز الديمقراطية وحماية النظام السياسي في الاقليم بشكل خاص والدولة الاتحادية بشكل عام، ما يعني أن المحكمة أصدرت هذه القرارات لتصحيح المسار وحماية الديمقراطية في الاقليم وهو أمر في غاية الأهمية في إطار حماية العملية السياسية في البلاد برمتها.
وهذه القرارات شأنها شأن الكثير من قرارات المحكمة لاقت اعتراضات سياسية بذرائع تتعلق بأنها تستهدف الاقليم وكيانه الدستوري، والأمر بكل تأكيد عكس ذلك تماما، بل إن من يمحص في هذه القرارات يدرك دون مواربة أنها جاءت لحماية كيان الاقليم مما يمكن اعتباره حالة من الفوضى الادارية والسياسية التي يعيشها الاقليم، بل وتعتبر بمثابة خارطة طريق لتصحيح الأوضاع في الاقليم وإجراء انتخابات نزيهة تكون في شكلها ومضمونها مشابهة للانتخابات التشريعية لمجلس النواب، حيث تفضي إلى تشكيل برلمان معبّر إلى أبعد مدى عن ارادة الناخبين في الاقليم، وتنظيم الحياة السياسية والعامة من خلال الدستور، الذي يكفل كل ذلك للإقليم وشعبه، بل إنها داعمة للكثير من مواد الدستور التي تحافظ على الاقليم ككيان اتحادي ضمن عراقي فيدرالي.
اليوم بعد إصدار هذه القرارات بات من الضروري ان تلتزم الجهات المعنية في الاقليم والمركز بهذه القرارات، وتعمل على تطبيقها وفق القانون والدستور، لتنهي فصلا من فصول الازمات التي عاشها الاقليم طيلة أكثر من عقد من الزمان، كما أنها تعيد تنظيم العلاقة بين الاقليم والحكومة الاتحادية، بما يمهد للمضي في حل باقي الملفات العالقة بين الجانبين، والتي ستصب بكل تأكيد لمصلحة العملية السياسية والنظام السياسي الاتحادي في العراق، ناهيك عن انها ستصب في مصلحة المواطن قبل كل شيء.