حمزة مصطفى
لا يكاد يمر يوم ومنذ 21 عاما على «تحرير» العراق بلغة «البعض» غير العبادية، و»احتلال» العراق بلغة «البعض» الآخر دون أن نجلد بول بريمر وسابع ظهر من أجداد بريمر أول حاكم مدني للعراق بعد التحرير الاحتلالي أو الاحتلال التحريري. كلنا وطيلة العقدين الماضيين من زمن التغيير ونحن نشتم بريمر ليلا ونهارا. ونشتم معه بوش الابن وما زلنا ننظر بإعجاب إلى حذاء منتظر الزيدي الذي قذفه على بوش أيام كان بوش يزور العراق منتفخ الأوجاد، لكثرة ما تفرش أمامه من سجاجيد خضراء وحمراء وصفراء تسر الفارشين. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. بل نصرح جميعنا برفض المحاصصة، وكلنا يصفها بالمقيتة لكننا في الوقت نفسه لا نكل ولا نمل من الحديث عن حق المكون.
والحديث عن حق المكون نتفاهم بشأنه بعد كل انتخابات برلمانية تحت مسميات أسعفتنا بها لغتنا العربية الغنية بالمصطلحات والمفاهيم والمفردات التي فيها من ظلال المعاني، ما يجعل للسيف 70 اسما وللأسد 700 صفة، ويمكن للحمار مثله أو يزيد. ولأننا مستمرون في جلد بريمر ولعنه فإننا نحاول القفز على ما يمكن تسميته بـ «وصفة بريمر» لحكم العراق باستخدام مفردات أو مصطلحات مخففة بديلة للمحاصصة التي لا نقبل بها أبدا ونرفضها ونكرهها ونلعنها ونعلن ساعة السودة، التي جاؤونا بها عشاء يبكون وقمصانهم ملطخة بدماء ضحايانا، لكننا في الوقت نفسه لانتنازل عن حق المكون.
البدائل التي نستخدمها في محاولة للهروب من وصفة بريمر هي التوافقية بعنوانها العريض، والتي طالما فاخرنا بها أعتى الديمقراطيات في العالم طالما أن الانسداد السياسي يمكن أن يحصل حتى في هولندا وإيطاليا والسويد التي غادرت الحياد مؤخرا بعد أن صارت الحديدة حارة. ولأن انسدانا غير انسدادهم، لأن من أشرت اليهم لا يعانون متلازمة بريمر فإن التوافقية فشلت هي الأخرى. فشلت تماما من الناحية العملية لكنها بقيت «إطارا» نظريا فقط باتت تستظل تحته المكونات العرقية والمذهبية، بعد أن رأت أن الديمقراطية التوافقية، لم تعد وصفة ناجحة أو إنها في الغالب الأعم مجرد تنويع مخل على وصفة بريمر الثابتة القاطعة، التي لا تزال تحتل الصدارة في كل التفاهمات.
ولأن التفاهمات التي تجري تحت غطاء التوافقية لم تعد قادرة على تلبية حاجيات القوى الحزبية السياسية بوصفها ممثلة لمجتمعاتها العرقية والدينية والمذهبية، فلم يعد والحال هذه البقاء تحت خيمة توافقية عرجاء الأمر الذي أدى بالجميع إلى مغادرة هذه المفاهيم التي يراد بها تجميل واقع سياسي مشوه إلى الحديث علنا وجهارا نهارا عما بات يسمى حق المكون بتفاصيل أكثر وضوحا. وحق المكون في الواقع هو ليس سوى عودة من الشباك إلى وصفة بريمر المحاصصاتية التي يرفضها الجميع علنا ويمارسونها من تحت الطاولة بعد أن حاول الجميع مغادرتها لكن دون جدوى. بريمر الوصفة لا الحاكم لا يزال بعد مرور 21 عاما هو العقبة الكأداء بوجه نظامنا السياسي الذي لم يتأسس بناء على عقد إجتماعي حقيقي بل تاسس على وفق تفاهمات عامة مشفوعة بسرديات تاريخية ترتبت عليها الصيغة الحالية لتداول السلطة، بدءا من كتابة دستور جامد تحول أشبه بتمثال التمر الذي يعبد في السراء ويؤكل عند الضراء.