اليمن، كَسرْ معادلة المواجهة مع واشنطن

آراء 2024/03/19
...

 سناء الوادي 

من غير المستبعد أن تكون روسيا أرسلت هذا الصاروخ الاستراتيجي لأنصار الله الحوثي أو ساعدت بتقديم التكنولوجيا الخاصة بتصنيعه لهم بعدما أثبتت الهجمات الحوثية، سواء على السفن في البحر الأحمر بالمسيّرات أو المقذوفات وامتلاكها الصاروخ البالستي، الذي أطلقت إحداها على ميناء إيلات على المتوسط واعترضته إسرائيل فوق البحر الأحمر

هذا ما عنونت به وكالة “نوفوستي “الروسية عقب لقاء أجرته مع مصدر عسكري مطّلع من جماعة أنصار الله الحوثيين، إثر تسريبات تتحدث عن نجاح تجربة إطلاق صاروخ فرط صوتي “هايبر سونيك” جرت داخل اليمن، فأثار ذلك الخبر الكثير من التساؤلات حول مدى مصداقية ذلك وسط حالة من الذهول بأن تكون صنعاء الدولة الخامسة التي تمتلك هذا النوع من الصواريخ بعد روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، بالرغم من أنَّ الأخيرتين أعلنتا امتلاكهما للهايبر سونيك دون إثبات ذلك بالدلائل على 

الأرض.

وبالعودة لعنوان هذا المقال الرنّان لا ندري هل المقصود منه كسر المعادلة العسكرية للمواجهة الدائرة في شرق أوروبا، وبخاصةٍ في إطار المباحثات المكوكية بين فرنسا وبولندا وألمانيا لتشكيل تحالف يوّفر الأسلحة بعيدة المدى لكييف تحت مسمّى “ الانتصار لأوكرانيا”، ناهيك عن إمكانية إرسال جنود من الناتو للحسم العسكري لصالح الغرب في وجه موسكو، أم أنَّه يستهدف المقلب الآخر من الحرب المشتعلة في المنطقة العربية بين فصائل المقاومة وإسرائيل ويرمز لكسر المعادلة السياسية والعسكرية في الشرق

 الأوسط.

وفي هذا السياق هناك ما لا يدع مجالاً للشك من ترابط هذه الجبهات في المصالح النهائية، فالعدو واحد مهما تعددت ساحات الصراع، وفي ذلك يتجسد المخاض العالمي لقطبية متعددة قادمة تنهي زعامة العم سام وانفراده بنهب ثروات الدول وتقرير مصائر الشعوب وفقاً لأهوائه، فانتصار الدُّب الروسي في أوكرانيا يعني هزيمة نكراء يُمنى بها حلف شمال الأطلسي ككل إضافة لتبعات ذلك من عودة تايوان للحضن الصيني وتقييد التواجد العسكري الأمريكي في بحر الصين والمحيط الهادي، ليمتد الأثر إلى مشارف المحيط الهندي وبحر العرب ما يعني ضمنياً جميع الدول الشرق أوسطية الحليفة لموسكو وبكين وتدعمهما في المشاريع الاقتصادية العملاقة مثل مبادرة الحزام والطريق وفي التحالفات المتعاظم دورها وخير مثال على ذلك

 البريكس.

إذا لا ينبغي أن نستهجن تسريب وكالات الأنباء الروسية بالذات لمثل هذه المعلومات فلو عدنا لما صرّح به زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي الخميس الماضي، على أنَّ عمليات استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل ستمتد لمنعها عبور المحيط الهندي والالتفاف حول رأس الرجاء الصالح أقصى جنوب إفريقيا وإنه سيفاجئ الجميع قريباً، خلف تلك الكلمات تختبئ توافقات واتفاقات بين الجانب الروسي واليمني لتهديد التجارة البحرية الغربية المتحالفة مع واشنطن وتعطيل مصالحها كورقة ضاغطة على إسرائيل لوقف الحرب الدموية على أهل قطاع غزة وورقة رابحة لموسكو، لضرب الوجود الاقتصادي لدول الناتو في الممرات المائية الأهم 

عالمياً.

ومن غير المستبعد أن تكون روسيا أرسلت هذا الصاروخ الاستراتيجي لأنصار الله الحوثي أو ساعدت بتقديم التكنولوجيا الخاصة بتصنيعه لهم بعدما أثبتت الهجمات الحوثية، سواء على السفن في البحر الأحمر بالمسيّرات أو المقذوفات وامتلاكها الصاروخ البالستي، الذي أطلقت إحداها على ميناء إيلات على المتوسط واعترضته إسرائيل فوق البحر الأحمر، ففي ذلك إشارة إلى ترسانة أسلحة صاروخية متطورة في أيدي الجماعة وغالبيتها مصنّع ومطّور محلياً، وليس علينا أن نغفل التعاون بين البلدين منذ عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حيث زودها الاتحاد السوفياتي بالصواريخ البالستية وبناء أول قاعدة في اليمن” قاعدة العند”، يقام عليها منصات للصواريخ في سبعينيات القرن

 الماضي.

أمّا عمّا يُقال أيضاً حول إمداد إيران لهذا النوع من الصواريخ الفرط صوتية للحوثيين، وهي التي أعلنت عن امتلاكها للهايبر سونيك في يونيو العام الماضي بنسخة فتاح 1 وفتاح 2 وذلك بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بعام ونيّف، وكنا قد شهدنا التعاون الكبير بين طهران وموسكو في مجال المسيّرات، والتي أثبتت فاعليتها بتغيير مسار

 الحرب.

إذاً ومما سلف نرى أنَّ الأطراف الثلاثة تقف في امتدادٍ واحدٍ على عصا الجلاّد، وبالطبع لست بمكان إغفال المصالح اليمنية الحوثية، قبل أي طرف بإطباق السيطرة على باب المندب وإيقاف الهجمات التي تتعرض لها من قبل حارس الازدهار والحصار، الذي يمارسه حلف الدروع الأوروبي المنتشر في المنطقة، وهو ما يعني حُكماً انتزاع الشرعية العالمية بقوّة الوجود العسكري المتحكم بالمضائق والممرات الاستراتيجية.

ناهيك عن أنَّ امتلاك اليمن لصاروخ فرط صوتي بسرعة 8 ماخ و10 آلاف كم في الساعة، كما سُرب للإعلام يعني الوصول لعمق تل أبيب بثلاث عشرة دقيقة فقط، وإنَّ هذا الفصيل الجامح المحسوب على محور المقاومة، سيشكل نقلة نوعية في معادلة المواجهة مع الكيان المحتل أيضاً. 

 كاتبة سورية