علي حسن الفواز
انتقل الصراع الرئاسي الاميركي من حقل الولايات إلى صراع المنصات، وصارت الحملات الانتخابية مجالاً مفتوحاً لكشف المستور في السياسات الاميركية، فالرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب يُحذّر من “حمام دم” في حالة خسارته الانتخابات، وأن الاقتصاد الاميركي سيتعرّض إلى “مجزرة كبرى” وهي تهديدات إعلامية و”منصاتية” ليست بعيدة عن البروباغندا التي اعتمدها في ترشيحه السابق واللاحق، بينما يعمل الديمقراطيون على جعل الصراع مع ترامب، وكأنه صراع ضد الشعبوية، وضد النزق السياسي الذي سيهدد “الديمقراطية” والتنوع الديموغرافي في الولايات المتحدة.
دفاع ترامب عن مشروعه السياسي، يرتبط بدفاعه عن “أميركا البيضاء” وعن السياسات التي تحفظ للمركزية الأميركية سطوتها، وعلى نحوٍ يجعل من هذه المركزية وكأنها رهان على القوة الدائمة، وعلى تحدي “الخصوم” بسطوة هذه القوة، عبر التجارة والعسكرة والتكنولوجيا وعبر السيطرة على الممرات المائية و”المناطق الدافئة”.
لا يملك الرئيس الحالي، والمرشح الديمقراطي جو بايدن سوى الحديث عن “السياسات الناعمة” للحزب، وعن فرضية أن أميركا قوية بتحالفاتها مع الغرب، وفي الدفاع عن نماذجها الجيوسياسية كما في “تايوان وأوكرانيا وإسرائيل” وكذلك في مرونة التعاطي مع ملفات شائكة ومعقدة مثل ملف التجارة مع الصين، وملف الاتفاق النووي مع ايران، ولعل ما كُشف مؤخراً عن مفاوضات غير معلن عنها مع ايران يؤكد هذا المنحى، وتُعطي لترشيحه فرصة اضافية عبر معالجة هذا الملف الذي انسحب منه الرئيس السابق ترامب خلال مدة رئاسته.
حديث ترامب عن صفة “المحارب” الذي سيدخل بها الانتخابات المقبلة، يكشف عن أزمته الداخلية، وعن طبيعة صراعه مع الآخرين، فقوله بأنه “سيكون محارباً في واشنطن” يرسم أُفقاً لما يمكن أن يجري. فهل سيمارس الديمقراطيون حرباً مضادة للتقليل من فرصه بالفوز؟ رغم أن سياسة بايدن الخارجية والداخلية لم تكن متوازنة، لأنها قائمة على شهوة التحدي أكثر من العقلانية.
ردود فعل الديمقراطيين لم تعط لتصريحات ترامب اهمية، بل إنهم وجدوا في انفعاله فرصة للحديث عن الفشل الذي سيلاقيه في انتخابات تشرين الثاني المقبل، لأن الناخبين سيمنحونه “هزيمة أخرى، وأنهم يواصلون رفض تطرّفه وحبّه للعنف وتعطّشه
للانتقام”.
هذا التنافر الانتخابي بين المرشحين لم يكن مألوفاً في السياسات الاميركية السابقة، وأن غرائبيته تكشف عن طبيعة الأزمات الكبيرة التي تواجهها منظومتها الرأسمالية، في تغويلها لاقتصادات الرعب، وفي دعمها للحروب والصراعات التي تهدد الشعوب بالمجاعات والفصل العنصري والحرائق الوطنية.