رصانة لغة الخطاب الاعلامي

آراء 2024/03/20
...

عباس الصباغ


 انحدرت كثيرا اللغة التي يصاغ بها الخطاب الاعلامي في جميع مفاصله المعهودة، سواء في جميع وسائل الاعلام أو في وسائل التواصل الاجتماعي ( السوشل ميديا) على اختلاف مشاربها، ما يدل أن اغلب المتعاطين بها هم أبعد الناس عن لغتهم الأم (لغة القرآن الكريم)، وصارت تتسم بالركاكة والسطحية في بعض مظانها.
إن من أهم اسباب تدني الثقافة اللغوية لدى الانسان العربي (والعراقي) ابتعاده بشكل عام والمثقف (الانتلجنسيا) بشكل خاص عن الحاضنة الاولى للغة العربية، الا وهو القرآن الكريم الذي يعدّ صمام الامان لهذه اللغة والحصن الحصين لها من الاندثار كما حصل للكثير من اللغات، التي طواها النسيان وصارت في خبر كان، إلّا اللغةَ العربيةَ التي تعدّ اليوم اللغة الحية السادسة المعترف بها عالميا كالإنكليزية والاسبانية والبرتغالية والصينية والفرنسية، وللأسف الممضّ اننا نرى البعض يجهل في كثير من الاحيان قواعد لغته أو يتجاهلها على الأغلب استخفافا بها، وهو لايستطيع ان يحكم من كتاب الله آية دون أن يُخطئ في تهجئتها فضلا عن معانيها وتفسيرها وتأويلها ناهيك عن قواعدها وبلاغتها إضافة إلى قواعد الاملاء للغته الأم فهو بالكاد يعرف كتابه اسمه أو يعرف معناه، وأرى إن معالجة هذا النقص يكمن في الرجوع الحتمي إلى القرآن الكريم مع تطبيق ما يتعلمونه من القرآن (نطقا وكتابة) على قواعد اللغة العربية لكي تترسخ القاعدة النحوية في عقولهم، فضلا عن أصول اللغة والكلمات ومعانيها، وليكون لديهم أفق واسع من خلال القرآن الذي يجب أن يكون منطلقا لتعلّم اللغة العربية الفصحى، وثانيا قراءة أولية لمعاجم اللغة، لا سيما لسان العرب لابن منظور ومختار الصحاح والعين وبقية المعاجم المعتبرة، عن طريق أخذ كل جذر لغوي على حدة ومعانيه الرئيسة، دون التفرّع في متاهات هذا الجذر ولكي لايضيع المعنى الرئيس له، لأن لكل جذر ثلاثي الكثير من المعاني المترادفة أو المتجانسة، فيدخل المرء في متاهات لغوية وبيانية هو في غنى عنها، وينطبق الأمر على القواعد المبثوثة في كتب النحو كشرح ألفية ابن مالك، ولا تخص المسألة ذوي الشهادات فحسب، فهي ليست مقياسا بقدر المطالعة والثقافة العامة.
 قواعد اللغة العربية الفصحى لا مناص عنها بالنسبة للكاتب أو المثقف أي تكون لغة الثقافة (الخطاب الاعلامي ) (كتابة وإبداعا وانشاءً)، مع اتقان اللفظ الصحيح (قراءةً ونطقا وتهجئةً وقواعدَ وبلاغةً) ويتأتى هذا الاتقان، من خلال المطالعة المستمرة والصحيحة للكتب والمصادر التي تعنى باللغة العربية كقواعد ولغة وغيرها وللموسوعات الادبية والعلمية والمصادر التاريخية والادبية والمعاجم والدوريات، فضلا عن الموسوعات اللغوية، لكي تترسخ الكلمة الفصيحة والصحيحة والرصينة في العقول وتثبت على الالسن، بعد تعلم التهجئة الصحيحة لمخارج الحروف وتثبيت الحركات الإعرابية عليها بالشكل الصحيح، فيستقيم المعنى مع اللفظ في العقول والالسن والمخيال.
فعلى المتصدين للخطاب الإعلامي بجميع أشكاله ومن اي وسيلة اعلامية ومنصة أن يعززوا ذائقتهم اللغوية بالمطالعة المتواصلة أكثر من الكتابة، لأنها من أسباب تكوين الثقافة العامة للشخص، ويجدّوا في ترصين ملكتهم اللغوية والبلاغية بالمطالعة الشاملة لتشذيب مايصدر عنهم من مواضيع (وبوستات) تشي بمستوى لائق ورصين بعيد عن الإسفاف والتفاهة، لأن القراءة المستمرة هي أساس الثقافة والإبداع وثانيا لكي تكون لغة الخطاب الاعلامي مفهومة ورصينة وبعيدة عن السطحية والابتذال في اللهجة الدارجة، ولا يكون المرء إعلاميا دون ان يكون قارئا فاعلا.