ضياء السعدي
المفاوضات الجارية الآن في اكثر من عاصمة عربية وغير عربية ما بين المقاومة الفلسطينية و(اسرائيل) للوصول إلى هدنة موقتة أو دائمة في قطاع غزة، لا تخرج عن التعبير الصارخ عن الانتصار الكبير للشعب الفلسطيني ومقاومته الوطنية الباسلة، بعد أن وضعت الأخيرة ولأول مرة ومنذ تاريخ قيام الكيان الصهيوني (إسرائيل)، أمام بدايات مصيره المحكوم بالزوال والسقوط واختفائه من الوجود في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهذا مايترتب حاليا وبأكثر من الوضوح على الأمد البعيد وبما يعبر عن هزيمة السياسات البريطانية المؤسسة لهذا الوجود الغريب، الذي تمت زراعته في قلب الأمة العربية، والذي أريد له أن يكون أبديًا اتفاقًا مع المخططات الأميركية ودول أوروبا الأطلسية وغيرها من الدول الأخرى التي مدت (أسرائيل) بمقومات الحياة والاستمرار والديمومة وتحويلها إلى قاعدة عسكرية متقدمة ومتطورة، لتلعب أدوارًا خطيرة على صعيد الاستيراتيجيات الأميركية الدولية من خلال الدعم الدائم بالمساعدات العسكرية والاقتصادية والدعم السياسي على صعيد العالم ومؤسساته الدولية، وبعد أن أرتكبت الصهيونية العالمية جريمتها البشعة عندما قامت بتهجير اليهود في العالم من مجتمعاتهم الأصلية ودولهم والقذف بهم إلى فلسطين لاحتلالها والاستيطان فيها كوطن قومي بديل موعود به، استند في انشائه وتكوينه على الأساطير والخرافات التلمودية، التي تجسد بمضمونها العنصرية، التي تطبق اتجاه العرب وعلى حساب قتل وتهجير الشعب الفلسطيني صاحب الأرض باللجوء إلى الحروب، واستخدام طرق الأرهاب والاعتقال والتجويع وحجز الحريات والأعدام الجماعي.
إن مقياس انتصار المقاومة الوطنية الفلسطينية، وهي تقود مرحلة التحرير الوطني باتجاه الاستقلال وبناء الدولة قد تمظهر وبصورة جلية على الاحتفاظ بالأسرى، التي عجزت العسكرية إلاسرائيلة من الاستدلال والوصول إلى أماكن احتجازهم، وبقدرتها العالية على استدامة استخداماتها للقوى العسكرية وبصورة يومية، وعلى امتداد 170 يومًا، والتي ألحقت العديد من الخسائر الكبيرة في آليات ومعدات جيش الاحتلال من الدبابات والناقلات والمركبات وعلى جميع المحاور الجغرافية، لأرض غزة والى قتل وإصابة أعداد هائلة من الجنود والضباط، كما تشير إلى ذلك الإحصائيات المعلنة من أدارة الجيش الأسرائيلي، وهذا ما أجبرها على حل تشكيلات عسكرية بمستوى فرقة ودعوة الاحتياط مجددًا للخدمة، وادى ذلك إلى فقدان الثقة بمقدرة الجيش الاسرائيلي، وإمكانياته الذي عهده العالم في حروبه السابقة ضده الفلسطينيين والعرب، وبعد أن جعلته المقاومة الفلسطينية أن يكون حاله كحالة من يجر اذيال الخيبة والهزيمة والدفع به في محاولات عسكرية يائسة، لتغطية فشله باستهداف المدنيين الأبرياء العزل من السلاح والأحياء السكنية والمراكز المدنية غير العسكرية، بدلا من المقاومة المسلحة، مرتكبًا جريمة الإبادة الجماعية المحرمة بالقانون الدولي والمنظورة بدعوى من قبل محكمة العدل الدولي، وهي في حقيقتها يراد منها معالجة الحالة الشخصية لينتنياهو رئيس وزراء (إسرائيل)، وبما يؤمن إطالة أمد وجوده في السلطة وهروبه الموقت من مسؤولية ذمته المالية أمام القضاء.
لا ينكر أن الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت مع (إسرائيل) من قبل بعض الحكومات العربية والمعلن عنها كامب ديفد وآسلو ووادي عربة، واتفاقات الاعتراف والتطبيع وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع بعض الأنظمة العربية والإمارات الخليجية على وجه الخصوص، قد أدت إلى إطلاق يد (إسرائيل) بالتعامل مع شعب فلسطين داخل أراضيه المحتلة وخارجها بكل شراسة ووحشية وانتقام، متخذة من العلاقات الإسرائيلية العربية، والى أبعد الحدود غطاءً لهذا التعامل غير المقبول إن لم يكن تواطؤًا واتفاقا متبادلاً، إلا أنه لم تكن له أي تأثيرات على المقاومة الفلسطينية وإرادتها، لتعارضه مع إرادات الشعب العربي وعلى امتداد دوله، ورغم مرارتها الخيانية فإن المقاومة الوطنية الفلسطينية استطاعت لوحدها وبكل صلابة وإصرار، واعتمادا على الشعب الفلسطيني، الذي لم يبخل بدمائه يوما من أجل فلسطين أن تقود في السابع من أكتوبر 2023 واحدة من أكبر الحركات الشعبية المسلحة في هذا الزمن العصيب، ضد من اغتصب أرضهم واحتلها وبدون مساعدة جادة ومؤثرة تذكر من أغلب الدول العربية وحكوماتها، إن لم يكن البعض منها انتقل إلى مواقع الاصطفاف إلى جانب إسرائيل في حربها ضد فلسطين وشعبها، ولم يكتفِ بموقف الحياد.
لقد بات مطلوبا وبإلحاح شديد وعلى الأقل من الدول العربية المحادده لفلسطين المحتلة، والتي ترتبط معها بحدود مشتركة العمل السريع، نحو كسر الحصار الاقتصادي وفتح المنافذ الحدودية، ووقف تجويع شعب فلسطين، تأثرا من المحتل الاسرائيلي بطريقة الحصار الاقتصادي، التي ابتدعتها الولايات المتحدة الأميركية وغطتها بقرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي وفرضه على العراق في التسعينيات من القرن الماضي، والذي لايزال مستمراً على الشعب العربي السوري، وعلى عددٍ غير قليل من دول العالم ايضاً، وان التجويع في حقيقته يستهدف الشعوب وحقوقها الأساسية في العيش والحياة والمحمية في القوانين الدولية الإنسانية.