في عالم ما بعد الإنترنت

آراء 2024/03/25
...

 محمد شريف أبو ميسم 


حين قرأت عن عالم ما بعد الانترنت، تمنيت لو كنت مختصا في علوم الاتصالات أو تكنولوجيا المعلومات، وحين توغلت في قراءة ما بعد الانترنت أصابني القلق والشك، ليس لأن المسمى الحقيقي لهذا العالم هو الميتافيرس Metaverse ومعنى Meta، ما وراء، و Verse تعني الكون، بل لأن اقتصاد المعرفة الذي يقود هذه الانتقالات المعرفية بهذه السرعة، وهو يحمل معه ما يجعل حياتنا أجمل ويصنع لنا أنماطا استهلاكية جديدة كل يوم مع وسائل ترفيهية متجددة حد الانزلاق نحو انعدام الرؤية في قطيعة مع الماضي وغيبوبة في الوعي الجمعي، هو اقتصاد صفري (تنعدم فيه الحيازة للآخر) وتحتكره الجهات الدولية التي تدير شؤون العالم وتهيمن عليه تبعا لعناصر تفوقها في وقت يغرق فيه الأفراد والجماعات في غيبوبة الدهشة وتحديدا في المجتمعات المستهدفة بوصفها مجتمعات مكتظة بالآكلين عديمي الفائدة The Useless eaters، في ما تحتدم الحرب السيبرانية بين القائمين على عوالم هذا التفوق المعرفي. 

ومبعث القلق هنا ليس وليدا عما سيقدمه لنا هذا العالم من تقنيات للموجودات التي تحيط بنا عبر أدوات الذكاء الاصطناعي وأنترنت الأشياء، لتكون هذه الموجودات شريكة أو راعية لنا في مرحلة ما بعد حقبة الانترنت، انما القلق ناجم عن معرفتنا بخلفيات من يحتكر المعرفة، التي ستبرمج هذه الموجودات وتجعلها في خدمة ستراتيجيات الهيمنة، التي عمل عليها منذ مراحل ما قبل الانترنت، وكيف استعان في ما بعد بثورة الاتصالات ومخرجاتها في تدجين الثقافات وانتهاك الخصوصيات المجتمعية وصولا إلى ما تقدمه لنا اليوم تكنولوجيا المعلومات من مؤثرات سمعية وبصرية قوامها الاستهلاك والاشتغال على الشهوات بوصفها رغبات واعية قادرة على تغيير أنماط المحددات الثقافية، التي تتصدى للهيمنة، وصولا إلى الغرائز بوصفها شهوات غير واعية قادرة على ترويض الموروثات بما يؤسس لعالم جديد قوامه تدجين الأجيال الجديدة، عالم معد لأغراض الحد من التكاثر السكاني والتغيير الديموغرافي، ومن ثم التوسع دون الحاجة إلى الحروب التقليدية وفق نظرية المليار الذهبي. 

وعالم ما بعد الانترنت بحسب ما يشير له المختصون هو عالم قائم على “السيبرانية” و”انترنت الأشياء” و”الذكاء الاصطناعي” بما يجعل هذه المحاور المعرفية تتداخل مع بعضها في سياق تكاملي يطور بعضها الآخر ويسهم في ولادة أشياء لا قوام لنا في مقاومة جمال تطبيقاتها، وهو ما يسمى بعالم الميتافيرس أو عالم ما بعد الانترنت، الذي يزيح الانسان التقليدي ويفتح الأبواب على مصراعيها للانسان الاستهلاكي المولع بفضاءات افتراضية لا يعرف من اسرارها شيء، ولكنها تمكنه من انجاز الأعمال دون جهد، وعن بعد، ويمكن أن تدير شؤونه حد التحكم بمشاعره، وهذه هي البدية الحقيقية لانهيار شكل الدولة التقليدية وانطلاق الهيمنة بشكلها الجديد، والسبيل الوحيد للتصدي هو العلم ولا شيء سواه.