شباب يختارون الزواج بلا إنجاب

ولد وبنت 2024/03/25
...

  عواطف مدلول  




 يفضل غالبية الشباب الزواج بسن مبكرة لتأسيس أسرة، وأداء أدوار الأمومة والأبوة بالوقت المناسب بحسب وجهة نظرهم، وهذا مطمح الكثير منهم حيث يحلم الفرد أن يرزق بذرية ويكبر معه أولاده وهو بقمة صحته وحيويته.  

لكن هناك من يؤجل أو يلغي بالسنوات الأولى فكرة الانجاب لأسباب مختلفة ربما تزول بالمستقبل وفق ما يخطط له، إلا أن البعض يرفض ذلك الموضوع نهائياً لعوامل قد تتعلق بقناعاته الخاصة، كخوفه من المستقبل المجهول أو ربما سوء وضعه الاقتصادي وأحيانا دوافع أخرى.

مشروع فاشل 

 تدهور حالته الصحية جعلته يفقد الأمل بالحياة ويخشى كثيرا من مفاجآتها المرة وغدر الأيام والسنوات، إذ يؤكد سرمد إبراهيم أن تعرضه لنكبات متتالية كلفته المزيد من المصاريف والنفقات، وأعبائه المالية وضعته بصورة العاجز عن تحقيق أحلامه التي كان يتمنى أن ينالها سابقا، فبات مشروع الانجاب فاشلاً بالنسبة له لأنه يتطلب منه أن يتحمل المسؤولية، وهو غير جاهز نفسياً ومادياً لتلك المهمة بالوقت الحالي وربما مدى العمر. 

وتعتبر نور ماهر أن الدراسة تمنع التفكير بالانجاب مباشرة بعد الزواج ولغاية انتهاء المرحلة الجامعيّة، مبينة أن المشكلة في المحيطين وخاصة الاهل لايتفهمون طموحات البنت وحتى الشريك أحيانا لا يقدر وضعها، ويربطون الامر بقياس مدى حبها للزوج، ويضعون تفسيرات كثيرة لسلوكها هذا، مثل اعتقادهم بانها لا ترغب به او الدراسة اهم منه ويأتي هو بالمرتبة الثانية، فتكون حياته مهددة معها لتوقعهم بأنها قد تتركه لمجرد خلاف عادي، لكن من ابسط حقوق الفتاة ان تكون موثوقاً بها وتمنح الامان حتى تتجاوز مرحلة الدراسة من دون عراقيل وصعوبات، فالأطفال يربكون كل شيء ويحتاجون تفرغاً للاهتمام بهم وتقديم الرعاية لهم. 


تغير نمط الحياة 

وتعارض نبراس جاسم موضوع الانجاب تماماً لا سيما بعد تغير نمط الحياة وتبدل طرق التربية فيها، وتلفت: لمرات عديدة اضع اللوم على والدتي لأنها أنجبتني بهذا العالم وربتني بالطريقة التي نشأت هي عليها، موضحة ان القادم يتجه نحو الأسوأ وفي الحقيقة تراودني افكار بهذا الخصوص، لم اعلن عنها ابدا الا انها تدور في حدود عقلي، تتلخص بضرورة التخلي عن دور الامومة اذا توفر الشخص المناسب الذي يبادلني الاحساس نفسه والنظرة تجاه هذا الموضوع، الذي يمكن ان يعوضه النجاح الدراسي والوظيفي وأمور أخرى.

في حين يستغرب احمد هيثم من الناس الذين يقررون ان يعيشوا حياتهم من دون أولاد، في الوقت الذي يصرف آخرون الملايين للحصول على طفل واحد وقد يقضون أعمارهم ولم يحصلوا على أمنيتهم هذه، فالذرية نعمة لا ترفض، مشيراً الى انه يعشق الاطفال وفضل الله عليه بولدين وبنت، محاولاً تقديم النصيحة للشباب الذين يعزفون عن الانجاب، جراء تبدل الاخلاق والقيم الى ان لكل زمان ظروفه وأحكامه ولا داعي للقلق، وتفضيل إكمال العمر بوحدة ربما ينجم عنها الاصابة ببعض الامراض. 


القيم والمواقف

من جهتها تجد الدكتورة حنان جمعة عبدالله الاخصائية في علم النفس ان التغيرات الاجتماعية والثقافية للزواج تحددت من خلالها أسس بناء الأسرة الحديثة الجديدة، التي أصبحت تؤدي وظائف اجتماعية حديثة محددة، انطلاقاً من عادات وتقاليد الأسرة المتوارثة من القيم، التي ما زالت تشهد تحولات كثيرة، اذ ان هنالك علاقة وطيدة بديناميكية التغير الذي تشهده مؤسسات المجتمع، هذه التغيرات مست الوظائف النمطية للأفراد والأدوار وتؤثر في السلوك والتصورات

والافعال.

مضيفة: اذا كانت الأفكار والمعتقدات التي يحملها الفرد عن الإنجاب ايجابية فإنّه يريده باعتباره شيئاً مرغوباً فيه ثقافياً، ويسعى له حيث أن شعوره وأحاسيسه تجاهه متناغمة معه، فالفرد ستحركه هذه الأفكار والمعتقدات والمشاعر والأحاسيس الى عملية السلوك الإنجابي، من خلال الاتفاق مع زوجته بإنجاب عدد من الأطفال، وهنا العملية ستكون مقبولة نفسيا واجتماعيا وثقافيا، وبالعكس كلما كانت القيم الثقافية والاجتماعية سلبية نحو الانجاب، واعتقاد الفرد بأنّه مضر بأسرته ومستقبله والتزاماته تجاه الأبناء، فهذا المشاعر والأحاسيس تجعل العملية الإنجابية غير مرغوب فيها، ومن هنا يعمل الفرد على تفادي انجاب الأطفال أو التقليل منهم، إذ إن الانجاب سلوك يعتمد على القيم والمواقف والمعتقدات والتي تثير شعوره واحاسيسه بهذا الفعل.


تجارب قاسية

مؤكدة أن تبني عدم الإنجاب يجب أن يكون قرارا واعيا لأن له تبعات، وقد يكون نابعا من تجربة قاسية في الطفولة، أما احتمال أن تكون تقليدا للغرب فيقتصر على المراهقة وبداية الشباب فقط.

كما أن مبدأ عدم الانجاب لا يتبنى عادة في المجتمعات التقليدية المتدينة التي ترفضه بشدة، حتى لو كان الوضع المادي للأسرة سيئا جدا، وحيث إنجاب الأطفال شرط أساسي في الزواج ولاستمراره”. وقد تكون معاناة بعض الشباب الذٌين حرموا من اختيار شريك الحياة بأنفسهم.

وأن هناك “من مروا بتجارب قاسية بعد الحروب والكوارث جعلتهم يفقدون معنى الحياة وقيمة الوجود، والذين عانوا في مرحلة عمرية حرجة من آثار الحرب والثورة، أصبحوا يرفضون الزواج أو الإنجاب لإحساسهم بعدمية الحياة. وبرأيهم، وقف التناسل هو الحل الوحيد للتخلص من عذابات البشرية، الخوف من فقدان الاستقلالية في حياته النفسية والعاطفية وحتى الجنسية، والطفل الجديد منافساً للزوج او الزوجة في مساحاتهم العاطفية عند كليهما. 


خوف مرضي

وتصف عبد الله بعض البنات اللواتي يعانين من (خوف مرضي)، خصوصاً من الحمل وعملية الإنجاب، فضلا عن هلعهن من التغيرات التي تطرأ على الجسد بعد الولادة، كما أن هناك من لديها رهبة من هذا الموضوع، وخاصةً إذا كانت تمرّ بظروف اجتماعية صعبة جعلتها تنهار نفسيا وتركت فيها ندبات، ربما شريكها غير داعم، وقد رأت فيه الإهمال وعدم الالتزام، حيث ان الشجارات الأسرية شيء طبيعي، ولكن يحدث مرات قليلة وعلى مواقف عادية، أما عندما يكون الموقف، مثل كشف خيانة الأب للأم، هنا لا يمكننا لوم الابنة على قراراتها، فهي أصبحت تنظر إلى كل رجل بعين والدها، كذلك الاستكفاء الزوجي وتفضيل الحياة المهنية على خطوة الأمومة سبباً آخر، وهناك نساء ورجال لا يحبون أصلا الأطفال! لا يبغضونهم، وبالوقت نفسه لا يكرهونهم بالتأكيد، ولكن لا يستطيعون امتلاك كائن وتربيته وتحمل مسؤوليته، وتحمّل همه طوال العمر.