محمد الناصري وزجاجات الصبر

ولد وبنت 2024/03/25
...

 سرور العلي 

اكتسب الشاب محمد الناصري خبرته بصناعة المجسمات منذ صغره، ولاحقاً قام بالإطلاع المستمر، لتثقيف نفسه بهذا الفن، ليتجه فيما بعد إلى أسلوب آخر، أكثر تميزاً واحترافية، وهو ما يسمى بـ {زجاجات الصبر}، إذ تبدو الأشياء نابضة بالحياة، وهي تقبع بعمق داخل الزجاجات، والناصري هو طالب في المعهد التقني بمحافظة الناصرية، بقسم التقنيات الكهربائية، ويعمل في ورشة لتصنيع بوردات الكهرباء.

وعن بداياته بهذا الفن بين لـ “الصباح”: “في مطلع عام 2019، جاءتني فكرة مقتبسة من موقع يوتيوب، لفنان من الولايات المتحدة الأمريكية، يقوم بوضع سفن داخل قوارير زجاجية، ذات فوهات صغيرة الحجم، فبدأ الشغف لدي وقمت بصناعة أول عمل، وهو سلم خشبي داخل قارورة زجاجية، كانت لا تتجاوز فوهتها 2 ونصف سم، وفشلت المحاولة الأولى، لكن بالتكرار والصبر نجحت التجربة، وتم إدخال السلم في القارورة، وكانت هناك الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب، عن كيفية اقحام السلم من عنق الزجاجة الصغير؟، وتلقيت الدعم والتشجيع من أسرتي وأصدقائي”.

مضيفاً: “بعد السلم الخشبي قمت بعمل كرسي خشب، مثبت بمسامير خشبيّة داخل قارورة زجاجيّة، كانت لا تتجاوز فتحتها 15 ملم، وبعد محاولات فاشلة وساعات من الشعور بالملل، وفي كل مرة كنت أحاول كسر القارورة من شدة الاحباط، تركت العمل فترة معينة، ثم عدت له واستغرق الوقت بصناعة هذا العمل 20 يوماً، وكنت أعمل في اليوم من ساعة ونصف إلى ساعتين ونصف، وأنجزته، وقام صديقي الرسام علي كاظم بنشر مقطع فيديو على حسابه الشخصي في موقع انستغرام، وأنا اتحدث عن هذا العمل والفائدة منه”.

بعد النجاح الذي حققه بهذا المجال، قام بالمشاركة في البازارات التي تقام في الشارع الثقافي في مدينته ذي قار، ومشاركات أخرى في المتنزه العام هناك، وفي معرض الكتاب الدولي، كانت له مشاركة مع فريق فن العمالقة  ببغداد.

وأشار إلى أن لهذا الفن الذي يقدمه عدة مسميات، فيسمى بفن زجاجات الصبر، أو زجاجات الحياة، أو فن القارورة المستحيلة، أو زجاجات التعدين، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مجموعة من العمال الذين يستخرجون المعادن من باطن الارض، إذ إن هؤلاء العمال في مدينة بافاريا في أوساط أوربا، كانوا يعانون من الاحباط والتعب النفسي والملل جراء ظروف عملهم، فعمدوا لصناعة تماثيل ومجسمات داخل قارورات زجاجية، كاحتجاج صامت على الطريقة التي يعاملهم بها أرباب عملهم،  ومن هنا بدأ الفنانون والهواة يصنعون السفن، ويدخلون المجسّمات ويركبون الأشياء داخل القوارير. 

واجه الناصري بعض الصعوبات، بسبب عدم توفر مكان خاص له، لذلك قام باستغلال مساحة في منزله، ببناء غرفة على سطح المنزل، كما أن أصوات العمل المرتفعة تسبب الإزعاج لأفراد أسرته، وقام بتطوير مهاراته عن طريق متابعته المستمرة لفنانين وحرفيين مبدعين، وتعلم منهم مهارات جديدة، ساعدته بعمله، وجعلته أكثر دقة وحرفية، وسرعة بالإنجاز، وتمكن من تطويع مختلف الخامات، كالخشب والحديد والبلاستيك والمطاط ومواد البناء والبورك والريزن والايبوكسي.

ويطمح أن تصل أعماله لكل أنحاء العالم، وتعرض خارج العراق، ويسعى إلى إنشاء ورشة يعرض من خلالها ما يقوم بصنعه، وبيعه لمحبي هذا الفن.

وتابع حديثه: “الكثير من الأعمال أنا من اكتشف وأخطط لها، لإدخالها في القارورة، من خلال النظر المستمر على المجسم، ورسم صورة في مخيلتي، لكيفية دخوله داخل القارورة”.

ووفقاً للناصري فإنه يتم إدخال المصغرات داخل الزجاجات، عن طريق تقطيعها لإجزاء صغيرة، لتدخل بسهولة من عنق الزجاجة، فأحياناً يقوم بإدخال قطعتين، وربما ثلاث قطع وهكذا، وذلك بحسب شكل المجسم ونوع الخام، وأن كانت تحتاج إلى تقطيع أم لا، ويحتاج هذا العمل للصبر والطاقة الكبيرة، وعدم الملل، والاعتياد على المحاولات المتكررة.