المصالحة الوطنية كمقاربة من مقاربات العدالة الانتقالية

العراق 2019/05/28
...

فالح مكطوف
المصالحة الوطنية تعني إحياء قيمة العيش المشترك خصوصا في المجتمعات التي عانت الانقسام والحروب الداخلية أو الثورات، وأن تلك القيمة تعد ضرورة حياتية، وهي تعني قبول الآخر والتعايش معه، ومع ذلك فالمصالحة من وجهة نظر بعض المختصين في المجال الحقوقي “لا تعني قبول الشعب بالإذعان لنظام مُتَعَدٍ للوطنية 
فألمانيا لم تتصالح مع النازي، لكنها عملت على إعادة الاستلاب العقلي للموالين له، وإعادة إدماجهم في المجتمع، مثلما فعلت إيطاليا مع الفاشي، من خلال إعادة تشكيل الوعي الجمعي لإحياء قيمة العيش المشترك، ونبذ الإقصاء”(1) ونبذ الانتقام الذي يأتي في أحيان كثيرة من “الفوضى والغضب العارم الذي قد يولد موجة عنف مفاجئة، تماما كما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية حينما استغل سكان أوروبا حالة الفوضى التي عمت القارة العجوز لمعاقبة أعوان الأنظمة الفاشية التي تسببت بوقوع تلك المأساة”(2) أو موجة الاعتداء الانتقامي الذي حصل في العراق بعد سقوط النظام السابق وسبب الكثير من الفوضى خارج اطر القانون واعتمدت على الانتقام الفردي. إذاً في مرحلة العدالة الانتقالية يتم التأكيد على الصفح والمصالحة وهذا يعني فتح صفحة جديدة بين المتخاصمين ونسيان الماضي رغم ما يحمله من آلام للبعض، فقدر العيش المشترك هو التضحية من أجل استمرار الحياة واستمرار السلام، ففي فرنسا على سبيل المثال ارتبط “ الصفح والمصالحة الوطنية بتاريخ صدور قانون العفو الذي صدر من قبل البرلمان الفرنسي عام 1951 وذلك بالعفو عن الأشخاص الذين تعاونوا مع الألمان أثناء احتلال جزء من فرنسا في الحرب العالمية الثانية وكانت المصالحة الوطنية شعار تلك المرحلة”(2).
وقد تكون هنالك ضرورة وتلازم بين المصالحة وكشف الحقيقة حيث “مثّل موضوع الكشف عن الحقيقة تحدياً بالغ الأهمية واجه تجارب الانتقال الديمقراطي في إطار العدالة الانتقالية، ومثّل اختباراً جدياً واجه رجال السياسة المتوافقين على الانتقال، وبخاصة أولئك الذين كانوا بالأمس ضحايا للانتهاكات وأصبحوا بحكم قلب التحول إلى وضع جديد”(4) حيث يحتم عليهم الاستعداد للمرحلة الجديدة وتهيئة أجواء الصفح والمصالحة الوطنية التي يجب أن تتوفر فيها “إمكانيات لتحفيز الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على استيعاب فكرة المصالحة الوطنية، والاقتناع بستراتيجية بناء التأييد والبحث عن أرضية مشتركة لتجسيدها في الواقع”(5) مثلما حصل في جنوب أفريقيا بقيادة نلسون مانديلا الذي آثر الصفح والمصالحة على تعريض التجربة الديمقراطية الوليدة الى الخطر، إضافة الى ذلك فإن المصالحة “تشترط، تعويض المتضررين وذويهم عن أضرار الانتهاكات، وتوفيرَ لوازم عدم تكرارها في المستقبل، وهو ما يتوجب لزوماً إدخال الإصلاحات العميقة على ترسانة القوانين، وبنية المؤسسات وتغيير الثقافة الناظِمة لعلاقة الدولة بالمجتمع بشكل عام”(6).
ان تحقيق المصالحة الوطنية كمقاربة من مقاربات العدالة الانتقالية يؤكد ان المجتمع على استعداد لنسيان الماضي وتبني أفكار جديدة يسودها السلم الأهلي مع نبذ العنف أو الثأر من رموز وأعوان الأنظمة السابقة وهذا له أهمية في استقرار الدولة من الناحية الأمنية وبالتالي استقرارها اقتصاديا واجتماعيا مما يعد مساهمة في إرساء مبادئ العدالة
 الانتقالية
 الانتقام الذي يأتي في أحيان كثيرة من “الفوضى والغضب العارم الذي قد يولد موجة عنف مفاجئة، تماما كما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية حينما استغل سكان أوروبا حالة الفوضى التي عّمت القارة العجوز لمعاقبة أعوان الأنظمة الفاشية التي تسببت بوقوع تلك المأساة” أو موجة الاعتداء الانتقامي الذي حصل في العراق بعد سقوط النظام السابق وسبب الكثير من الفوضى خارج اطر القانون واعتمدت على الانتقام الفردي.
 
الهوامش
 (1) تهاني الجبالي، “ ندوة” متطلبات تطبيق العدالة الانتقالية في المرحلة الانتقالية المصرية، مؤسسة الأهرام، مجلة السياسة الدولية، بتاريخ 17/11/2013
( 2) نويل كالهون، معضلات العدالة الانتقالية في التحول من دولة شمولية الى دولة ديمقراطية تجارب من دول أوروبا الشرقية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، بيروت 2014  ، ص16
( 3) انظر جاك دريدا وآخرون المصالحة والتسامح وسياسة الذاكرة، دار توبقال للنشر، المغرب، الطبعة الاولى 2005، ص19ــ ص22
( 4) احمد شوقي بنيوب، العدالة الانتقالية: المفهوم والنشأة والتجارب، مجلة “المستقبل العربي”، العدد 413، تموز/ يوليو 2013، ص139
( 5) محمد مالكي، العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي في العالم العربي، قراءة في تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، الندوة السنوية للشبكة العربية للتسامح، بيروت: 20 ــ 22 أبريل / نيسان 2012، ص5
( 6)محمد مالكي، العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي في العالم العربي، المصدر نفسه، ص6