سعد العبيدي
ما أن يتكل المواطن العراقي على الله، ويهيئ كل المستمسكات والأوراق، وبعض الأوليات لإنجاز معاملة له في دائرة حكومية، إلا ويركبه القلق ثقيلاً من أعلى قمة رأسه إلى أخمص القدمين، على الرغم من وثوقه بالدقة المتناهية لأوراقه الرسمية، وصحة الصدور، وقلقه هذا المشترك بين الجميع آت من عدم الثقة بعدالة أخيه الموظف، ذاك الذي سيتعامل معه في أول عتبات الإنجاز، بعد أن تكونت لديه خبرات تراكمية عبر هذه العشرين سنة الأخيرة، عن سلوك العديد من الموظفين، بل غالبيتهم، موسوماً بإنتاج القيود العمدية للإعاقة، مصحوبة بقدر من الإذلال التعسفي، إذ يواجه المواطن المُراجع في دوائر الدولة لهذا اليوم ثلاثة أنواع من الموظفين المنتجين للقيود: موظف غير مهني لا يحترم ذاته المهنية، لا يكلفها، أو لا يحملها المسؤولية الاعتبارية لإنجاز المعاملة، فيلجأ إلى التدقيق الشكلي في الأوراق خطوة أولى تليها الثانية شكاً وهمياً في إحداها لا يستند فيه على شيء فني أو بنيوي، ثم تعقبها الخطوة الثالثة طلباً حتمياً جلب أوراق أخرى، في سياق تعامل كوّن فيه قيداً حال دون إنجاز المعاملة في وقتها، لا يشعر من بعدها بالتقصير وبالذنب المهني من عدم
الإنجاز.
أو موظف كسول، يضع قيد الحيلولة دون الإنجاز في الخطوة الأولى، يطلب المراجعة في اليوم التالي، حجة يرجعها إلى كثر المعاملات، تنهي الجدال في الحال.
أو ثالث مرتش يتحجج بعديد من الحجج التي تمنعه من انجاز المعاملة، فالوقت عنده حجة، وصحة الأوراق ونقص الأوليات، والمطابقة، سيلاً من الحجج لا تنتهي فاعليتها، يضعها قيوداً عمديةً لا تفتح إلا بعد دفع المقسوم رشوة، تمهد إلى الإنجاز في الحال... إنها أي القيود شاع إنتاجها في المجال الإداري العراقي حداً يمكن وصفه بالاضطراب النفسي، لا يعالج بالتمني وكثر التوجيهات، ولا بكثر الدعاء، بل بالاختيار المناسب للموظف المناسب، والمدير المناسب، وتعميم الأتمتة وتوجيه العقاب المناسب لفعل الإعاقة في وقت الحصول.