الإسلاموفيليا vs الإسلاموفوبيا

آراء 2024/03/26
...

سناء الوادي

لم يكن مستغرباً ذلك مع وصول التيار اليميني المتطرف إلى سدة الحكم في عدة دول أوروبية بالأعوام الأخيرة، فمن أجل حسابات سياسية أو اقتصادية تصرف الّلوبيّات الصهيونية المنظمة المليارات من الدولارات لتعميق ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب ولذات الحسابات السابق ذكرها تسعى جاهدةً لتجريم كلِّ من يعادي
السامية
أجرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تصويتاً لممثلي الدول الأعضاء في اليوم العالمي، لمكافحة الرُهاب من الإسلام والذي صادف الخامس عشر من الشهر الحالي حول مشروع القرار، الذي يجرّم الإسلاموفوبيا في العالم، وما كان لافتاً هو امتناع الدول الأوروبية كافةً عن التصويت مع التجريم، بل اختاروا الحياد على ذلك، ففي مقابل مئة واثنين وعشرين صوتاً مؤيداً، كان هناك أربعة وأربعون صوتاً محايداً.
لم يكن مستغرباً ذلك مع وصول التيار اليميني المتطرف إلى سدة الحكم في عدة دول أوروبية بالأعوام الأخيرة، فمن أجل حسابات سياسية أو اقتصادية تصرف الّلوبيّات الصهيونية المنظمة المليارات من الدولارات لتعميق ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب ولذات الحسابات السابق ذكرها تسعى جاهدةً لتجريم كلِّ من يعادي السامية.
إذاً فالهدف بات جلياً واضحاً كوضوح الشمس في كبد السماء، فالمصطَلحين الدَارِجَين على لسان الإعلام الغربي والأمريكي، ليسا بحديثي العهد والرُّهاب من الإسلام انتشر كالنار في الهشيم عقب هجمات الحادي عشر من أيلول في واشنطن حيث ضجت محركات البحث آنذاك بجيش المتلهفين للتعرف على الدين الإسلامي، فما كان من الإعلام المأجور إلّا شيطنة دين أولئك الملتحين المرتدين الجلابيب السود والملطخة أيديهم بدم الأبرياء من الجنس الأبيض الآري، وتصوير العقيدة الإسلامية، كنظام جامد مدبب من الداخل يمكن تحفيز كوامنه وتصنيع الإرهاب بين جنباته، وإنَّ هذا ليذكّرنا بالجابانوفوبيا ذلك الرعب الذي عمّ أرجاء أمريكا بعد مهاجمة ميناء بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية من قِبل اليابان، وما تبع ذلك من الكراهية والعنف التي استهدفت اليابانيين.
وفي سياقٍ متصل فإن أكثر ما سهم في تقوية الإسلاموفوبيا في الغرب ملاءمة ما حدث داخل الدول العربية ذات الصبغة الإسلامية منذ عام 2003م، وغزو العراق إلى صولات وجولات الربيع العربي، التي فتت دولاً ودمرت أخرى وأنهكت بقيتها، فهشاشة الوحدة في ما بين هذه الدول بل والتناحر والتآمر امتثالاً لمستلزمات المصلحة الخاصة، ناهيك عن التقليد الأعمى لكل ما هو نابع من البعيد فإنما يعني هذا فشل الدول العربية بحل المشكلات والأزمات التي تعصف بها والتي أفرزت الإرهاب ليفتك بالعالم، هذا فضلاً عن سياسات واشنطن والذيل الأوروبي في الشرق الأوسط.
وبعد عقدين من الزمن عادت محركات البحث الأجنبية تضجُّ بالباحثين عن حقيقة الدين الذي شوهه وشيطنه إعلامهم سابقاً، والذي تجسّد الآن واقعاً مرئياً على لسان الأمهات الثكلى الصابرات المحتسبات في غزة والمرابطين الجوعى المدافعين عن قدسية أرضهم، وما نطقت به ألسنة الأسرى الأجانب ممن كانوا في أنفاق المقاومة عن حُسن المعاملة وطيب الاستضافة، فحسب صحيفة نيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام بأن تقاريراً كثيرة جاء فيها أنه منذ بداية الحرب على غزة كانت أكثر الكتب مبيعاً تلك التي تتحدث عن الإسلام والقرآن وفلسطين، فإذا ما انتشر الإسلاموفوبيا قبل أعوام، فإننا نشهد الآن في الغرب بداية الانتشار الفعلي للإسلاموفيليا وهو ما سيكون مستقبلاً ردة الفعل التي ستواجه الفعل وبقوة أكبر، فالمدافعون عن دين التسامح والمحبة والمنددين بجرائم إسرائيل ذات الواجهة الحضارية الديمقراطية الإنسانية التي خدعت الرأي العالمي والتي يحمل الغرب إزاءها الشعور بالمظلومية كونهم ضحية المحرقة النازية، ووفقاً لحديثٍ للدكتور خالد حنفي نائب رئيس المجلس الأوروبي للافتاء قال فيه «إنَّ هناك إقبالاً على الإسلام لا تخطئه العين في القارة العجوز» وقد رصد بعض المتابعين لهذا الشأن اعتناق قرابة 20 ألف فتى وفتاة في فرنسا فقط للدين الإسلامي في الأشهر الأخيرة.
قد تكون مواجهة الإسلاموفيليا ـ للإسلاموفوبيا لا تزال هزيلة في ظل دعم التيارات اليمينية الحاكمة والأنظمة واللوبيات الصهيونية لكن ما يتم التعويل عليه بشكل كبير هو الحاجة الملحة النابعة من أعماق المجتمع الغربي الذي دمر المفاهيم الأخلاقية للأسرة وأقرَّ القوانين المنافية للفطرة للبشرية ناهيك عن قوانين تحديد النسل التي بكّرت من كهولته، فزاد ذلك من شعور الفرد الغربي بالجوع الروحاني  والأسري.
إن جميع تلك المفاهيم الآنف ذكرها إضافةً لمعاداة السامية تنشرها وتعمقها أو تجرّمها وتحاربها الأهواء والغايات السياسية وعند التقاء المصالح، تنتفي المبادئ في السياسية فمن نشأ في رحم النازية أمس بات اليوم حضناً دافئاً للصهاينة من اليهود في محاربة الإسلام.

 كاتبة سورية