بين واشنطن وطهران

آراء 2019/05/29
...

محمد شريف أبو ميسم
 
ثمة قلق وطني مبرر بشأن انعكاسات قرار الادارة الأمريكية بتشديد الحصار الاقتصادي على الجارة ايران، وهذا القلق يبقى قائما على الرغم من اعلان وزارة الكهرباء انها مستثناة من عقوبات واشنطن على طهران.
فقد أشرنا في مقال سابق نشر بجريدة الصباح منتصف آذار الماضي حمل عنوان “الانفتاح على دول الجوار” الى أهمية أن لا نغفل استمرار صراع الغرماء والأضداد الدوليين والإقليميين الفاعلين في الساحة العراقية ونحن ننفتح على العالم، إذ ما زال هؤلاء الغرماء الذين كان لهم الدور الأكبر في صنع الإرباكات خلال المرحلة الانتقالية في بلادنا، يخوضون حربا باردة بمختلف الأدوات، وبات من الواضح إن سياسة الاحتواء الاقتصادي واحدة من هذه الأدوات التي تجلت ملامحها في تسابق دول الجوار الحليفة للولايات المتحدة على ساحة الشراكة الاقتصادية، في ظل عولمة تسيطر على آلياتها الجهات التي انفقت سبعة ترليونات دولار على مشروع الشرق الأوسط الكبير خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بشهادة الرئيس الأمريكي “رونالد ترامب”. فيما جاء رد الجارة ايران على ذلك بابرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والانفتاح أكثر على الساحة الاستثمارية العراقية ليتجلى التزاحم والتسابق مع الأطراف الحليفة للولايات المتحدة والرساميل التي تقف خلفها بشكل حرب اقتصادية باردة، وحذرنا من خطورة أن تكون البلاد ورقة للتفاوض بيد الأطراف المتصارعة على حساب مصالحنا الوطنية، وكان من الواجب أن نعي حقيقة سياسة الاحتواء الاقتصادي بوصفها البديل الناعم عن أسلوب التدخل السياسي والعسكري ونحن نسعى لاستقطاب الاستثمار والشراكة مع عموم دول العالم ودول الجوار، اذ ان الحاجة الماسة لتدوير عجلة الاقتصاد وتوفير الخدمات وفرص العمل وخلق تنمية حقيقية ينبغي ألاّ تكون مدعاة لتجاهل أهداف الأطراف المتصارعة التي ستتخذ من الحديقة الخلفية للفعاليات الاقتصادية منطلقا للتدخل في شؤون البلاد في ظل سلطة رأس المال داخل الدولة الليبرالية القائمة على الحرية والملكية، فيما يتم تجاهل الامكانيات الوطنية رغبة في تحقيق الأهداف سريعا.اذ كان وما زال بالامكان تقديم المزيد من التسهيلات للرساميل الوطنية المهاجرة والمحلية وتحسين الأداء المالي لمؤسسات الدول بما يضمن تفعيل الشركات العامة التي نال منها الاهمال والفساد، وتفعيل دور القطاعات الحقيقية بشكل جاد من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة واخراج المصارف المتخصصة من سباتها بهدف ممارسة دور جاد في تقديم الدعم، من دون أن تكون البلاد عرضة لردود أفعال هذا الطرف أو ذاك من الأطراف الدولية المتناحرة. فعلى الرغم من ان قرار واشنطن جاء لخلق مزيد من الضغط على طهران بهدف تعديل الاتفاق النووي في اطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الا ان من طبق نظرية الصدمة على بلادنا خلال المرحلة الانتقالية التي تخللتها مظاهر العنف وسوء الادارة والفساد وهدر المال العام بهدف وصول الوعي الجمعي الى حالة القبول بالحلول الجاهزة التي ستأتي بها رساميل العولمة تحت مظلة الحاجة للاستثمار الأجنبي لن يدع لغريمه الآخر فرصة للامساك بورقة جديدة للتفاوض.