المصيبة أعظم

آراء 2019/05/29
...

د. كريم شغيدل
 
في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل احتلالها للأراضي العربية خلافاً لكل قررات مجلس الأمن، كما تواصل غاراتها الجوية علناً على الأراضي السورية فضلاً عن احتلالها لهضبة الجولان، يركز الإعلام الدولي والإقليمي على ما يسمى بالاعتداءات الإيرانية، ووصل الأمر إلى تضخيم أحداث رياضية عابرة عدها البعض جزءاً من النزعة العنصرية التي تحملها إيران بإزاء الشعوب العربية، متناسين أن بعض الدول العربية التي كان المقبور صدام يخوض حربه ضد إيران نيابة عنها، قد مزق فريقها العلم العراقي في دولة أجنبية في إحدى الدورات الرياضية، أثناء تلك الحرب المقيتة، واليوم يمكننا أن نستشف من سير الأحداث والشعارات والبروبكندات الإعلامية، هناك من يريد توريط العراق ثانية، ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن إيران وإنما ندافع عن بلدنا وأمننا واستقرارنا.
البعض راح يجتهد لاستنتاج مؤشرات للتشابه بين الحقبة التي سبقت غزو العراق، والحقبة الحالية لإيران، ليصل إلى نتيجة مفادها أن ما يحصل لإيران الآن هو ذاته ما حصل للعراق قبيل الغزو، إسرائيل تتحين الفرص علناً لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، ولها سابقة مع العراق الذي دفع ثمن صواريخ سقطت في البرية في واحدة من حماقات صدام، لكن لا أحد يستطيع محاسبتها على ما بددته من ثروة العراقيين، أو حقهم كشعب يمكن أن يستثمر الطاقة النظيفة، وليس دفاعاً عن برنامج تسليحي، ولو هو أمر مشروع لأي دولة عربية بإزاء ما تمتلكه إسرائيل.
حملة شعواء لتوجيه مختلف الاتهامات لإيران، آخرها حرق حقول الحنطة في العراق، والمشكلة في ذلك الاتهام المزدوج لإيران وداعش، فما الذي يكمن وراء ذلك؟ هل هو الاستعداد لمحاربة إيران؟ وهل الحرب على إيران ستكون لصالحنا؟ أو لصالح المنطقة؟ هل هناك إرادة دولية وإقليمية تريد أن تغير استراتيجية (عش الدبابير) من العراق إلى سورية ثم إلى إيران؟ وإذا ما أصبحت إيران ساحة مفتوحة للإرهاب هل سيكون ذلك لمصلحة
 المنطقة؟ 
رسمياً وعلى لسان الرئاسات الثلاث ووزارة الخارجية العراق ما يزال ملتزماً بموقفه ضد الحرب، البعض ينظر إلى ارتباطات بعض الساسة العراقيين بإيران وهذا قصر نظر، البعض الآخر يختزل الموضوع طائفياً، وهذا منتهى الجهل، فإذا كانت هناك قوى إقليمية تضغط باتجاه الحرب لأسباب طائفية، وهناك مؤسسات إعلامية تضغط بدافع الكراهية، وهناك قوى تضغط بدوافع اقتصادية وسياسية، فإن العراقيين ينبغي أن يضغطوا باتجاه مضاد للحرب بدافع الحفاظ على أمن العراق واستقراره وأمن المنطقة واستقرارها، واستثمار الانتصار العراقي على عصابات داعش الإرهابية للقضاء على الإرهاب، لا أن نفتح ثغرة جديدة له، فإيران موقعاً ومساحة وتضاريس ستكون ملاذات أكثر أمناً لكل الجماعات الإرهابية من مختلف البقاع، فإذا كانت القوى الضاغطة باتجاه الحرب تدرك ذلك وتخطط له فتلك مصيبة، وكارثة جديدة تحل بالمنطقة، وإذا لم تكن تدرك ذلك فالمصيبة أعظم.. عليها وعلى غيرها.