الرِدّة في الشعر العاميّ العراقي اليوم

ثقافة شعبية 2024/03/28
...

 نبيل كاظم الركابي

شهدت مسيرة الشعر في العالم بشكل عام، انعطافة خطيرة وغير مسبوقة في الربع الأول من القرن العشرين، كانت على يد الشاعر الأميركي الكبير.  (ت. س. اليوت) (1888 م - 1965 م) من خلال قصيدتهِ الرائدة (The waste land) اي (الأرض اليباب) و التي كتبت حوالي عام 1922 م.
كان لتلك القصيدة المهمة تأثير هائل وصلت مدياته الى اسماع مختلف شعراء العالم، حتى تأثر بها شعراء مهميّن في العالم العربي كالسياب و صلاح عبد الصبور ونزار قباني.
من الجدير بالذكر أن الربع الأول من القرن المنصرم شهد انقلابات ثوريةً مهمة في طريقة كتابة الشعر في العالم أجمع، ويعود الفضل لتلك المغامرة البِكر لشاعر "الأرض اليباب" الفذ. حيثُ حطّمت تلك التجربة كل ما يعرفه قارئ الشعر عن الشعر.
لن أطيل في الحديث حول ما أسست له تلك التجربة في ما بعد، من محاولات بارزة في الشعر الفصيح والعامي، وفي مختلف اللغات.
والعراق كان في طليعة البلدان، التي شهدت تجارب مهمة و معروفة تمثل الصدى البديهي لتلك التجربة.
في ما يتصل بموضوع الحديث هنا عن الشعر العامي العراقي، وما تجربة الشاعر المُحدّث مظفر النواب سوى مثال جلي في ذلك المضمار، حيث أسس النواب لمشروع شعري ريادي، يبعث بروح جديدة في الشعر العامي العراقي ضارباً عرض الجدار كل تلك القيود، التي كبّلت جسد القصيدة لعقود طويلة في الشكل والمضمون.
وما تبع تلك التجربة من تجارب رائعة لشعراء العقديّن الستيني والسبعيني على وجه التحديد، أسهمت في رفد تلك المسيرة بمحاولات مهمة ساعد في ذلك ثقافتهم العالية وإطلاعهم المستمر على التجارب العالمية الثرّة في الشعر والموسيقى والمسرح ومختلف الفنون والآداب.
حتى كانت الرِدة الكبيرة في العقود الأولى من القرن الواحد والعشرين، إذ تعرض المشهد الشعري العامي العراقي لتقهقر كبير.
ساهم في ذلك التردي الثقافي الخطير لدى الشاعر. الأمر الذي جعلهُ ينتكص مستدعياً الأدوات البالية في كتابة الشعر لتظهر قصيدتهُ محمّله بمفاهيم ساذجة عفا عليها الزمن. فتراه يلجأ لأشكال كلاسيكية مُندرسة فنياً ويعبئها بأساليب مكررة و مُملّة موضوعياً، وذلك نتيجة العوز الثقافي والفكري وحالة الركو، التي باتت سمة من سمات هذة الفترة.
وقد سارت على هذا النحو أجيالٌ عديدة لا تعي ما هو الشعر، وما هي وظيفتهُ وتاريخه و جمالياته ولغته وأساليبه بإستثناء بعض التجارب التي بقيت غريبة في  جادتها.
ومن جانبٍ آخر كان للأعلام الأهوج وانحدار الذائقة وانخفاض منسوب الوعي لدى المُتلقي، الدور المباشر في رواج تلك الأقلام والتجارب المُعاقة.