الملكة كوبابا من وادي الرافدين

بانوراما 2024/03/28
...

 ليمان ألتونتاش
 ترجمة: مي اسماعيل


هل يمكن طرح السؤال عن من هي اول ملكة في التاريخ؟ لعل الجواب ليس معروفا حتى الآن؛ بالنظر لحجم وتنوع الحضارة الانسانية. ولكن وفقا للتاريخ الموُثق والمعروف عموما؛ فان الملكة “كوبابا-Kubaba” كانت أول امرأة تحكم الأسرة السومرية القديمة.
في الممالك والامبراطوريات القديمة التي سادت الشرق الادنى وآسيا وأوروبا، لم تصل إلا بضع  نساء الى السلطة، وهؤلاء ارتقين السلطة أولا من خلال الرجال؛ كالآباء أو الأزواج أو الإخوة أو الأبناء. لكن السومرية “كوبابا” كانت ملكة حقيقية؛ وليست ملكة قرينة لكونها زوجها ملك، فهي حاكمة حكمت بنفسها (قبل نحو 4500 سنة خلت) واحدة من اوسع الحضارات القديمة.
وأشارت إليها قائمة الملوك السومريين بأنها “لوغال- Lugal” وتعني- الملك؛ وليس بمصطلح “إيريش-Eresh” الذي يعني- الملكة القرينة.
وبذا كانت كوبابا المرأة الوحيدة التي حملت ذلك اللقب.
كانت مصر المكان الشائع للقصص عن المرأة القوية في العصور القديمة؛ كالملكات سوبك نفرو، وحتشبسوت، وكليوباترا.
لكن كوبابا (التي عاشت حوالي عام 2400 ق. م.) ارتقت العرش السومري قبلهن. في التاريخ المُدوّن كانت كوبابا أول امرأة حكمت السلالة السومرية القديمة التي استمرت مئة عام.
هناك الكثير من أسماء الرجال في قائمة الملوك السومريين، وامراة واحدة فقط: “كوبابا أو “كوغ باو- Kug-Bau “؛ وكانت المرأة الوحيدة الحاكمة التي جرى توثيق انها ملكة تحمل الحكم الإلهي.
قدمت تلك القائمة (وهي تاريخ الحُكّام الممتد غالبا بين التاريخ والأسطورة) المعلومات القليلة التي نعرفها عن كوبابا.
وعلى سبيل المثال جاء في القائمة ان “إنمين لو آنا-Enmen-lu-ana “ حَكَمَ لمدة 43200 عاما. لكن توثيق عهد كوبابا يبدو أكثر منطقية؛ فقد عُرِفَ عنها أنها قادت سومر لمئة عام (وهذا غير مُرجّح).

ثبّتت أسس كيش
حكمت كوبابا في الفترة الأولى لسلالة كيش الثالثة، خلال أعوام  2500 - 2330 ق. م.، حينما كانت كيش دولة مدينة سومرية في بلاد ما بين النهرين.
وورد اسم كوبابا ضمن قائمة الملوك السومريين وهي أول من وُصِفت “بالمرأة حارسة النزل”؛ فكيف انتقلت من ذلك الموقع الى ادارة المدينة؟
لا يوجد دليل مؤكد؛ لكن النساء من حارسات النُزُل كُنَّ شخصياتٍ مهمة في الحياة اليومية والأساطير السومرية.
وربما لأهمية الجعة في الحضارة السومرية، غالبا ما كانت الحانات تدار من قبل النساء، وربما كُنّ هنا يؤدين واحدة من المهن النسائية المستقلة القليلة في سومر القديمة.
كانت حارسة النزل “سيدوري- Siduri”، التي تدير نزلا بالعالم السفلي؛ شخصية مهمة في ملحمة كلكامش.
وقد اعطت لكلكامش نصائح حكيمة مثل: “مَنْ مِنَ البشر يستطيع أن يعيش إلى الأبد؟”، و”حياة الإنسان قصيرة.. فليكن فيها متعة ورقص”.. إذا حتى في العصور القديمة كان يُنظر الى المرأة حارسة النزل بوصفها مرشدة على طول مسارات محفوفة بالمخاطر، وشخصية تستحق التبجيل في ملحمة ربما كانت الأهم تاريخيا.
ولكن ماذا كان الهدف من تعريف مهنتها؟
من خلال ربطها بشخصية سيدوري الأسطورية وبمهنة أنثوية بارزة؛ خلّد مسجل قائمة الملوك السومريين حرفيا الملكة كوبابا وجعلها واحدة من أكثر النساء استقلالية. كانت كنيتها أطول من أسماء غالبية الناس؛ ما يدل أن الكتبة القدماء وجدوا انها جديرة بالملاحظة بشكل خاص.
وبجانب اسمها كُتبَ وصف: “المرأة صاحبة النزل التي ثبّتت أسس كيش”. لقد حكمت كوبابا (أو “كو باو-Kug-Bau”؛ كما تُعرف باللغة السومرية وفقا لقائمة الملوك) بعد الطوفان العظيم، بعد هزيمة “شاروم إيتر-Sharrumiter” ملك ماري. ويربطها بعض المؤرخين بالسلالة الرابعة من سلالات كيش.

بين البشر والآلهة
يسير التقليد السومري بمفهوم أن الملكية غير مرتبطة بعاصمة دائمة؛ بل تنتقل من مكان الى آخر كما يُنعم الإله بها على مدينة يوما، ثم تنتقل الى اخرى وفقا لتقدير تلك الآلهة بعد بضعة أجيال.
احتفظت مدينة ماري (تقع في سوريا اليوم. المترجمة) بالعرش لمدة فاقت القرن قبل عهد كوبابا؛ وهي الوحيدة من سلالة كيش الرابعة.
وبعد كوبابا انتقلت الملكية الى «أكشاك-Akshak” (مدينة سومرية تقع شمال أكد. المترجمة).
ارتفعت كيش إلى الصدارة مرة أخرى على عهد “بوزر سوين -Puzer-Suen” ابن كوبابا، وحفيدها “أور-زابابا- Ur-Zababa”؛ الذّين كانا أول حاكِمَين للمدينة (وآخر حكامها) وأول حكّام السلالة الرابعة.
في كتابها “النوع الاجتماعي والشيخوخة في بلاد ما بين النهرين: ملحمة جلجامش وغيرها من الأدب القديم” تدّعي “ريفكا هاريس” (الاستاذة بجامعة شيكاغو) أن كوبابا “استولت” على العرش.
أما عالم الآشوريات الكندي “ألبرت كيرك جرايسون” فكتب أن.. “الهدف الأساسي من السرد هو توضيح أن أولائك الحكام الذين أهملوا أو أهانوا ((الإله)) مردوخ أو تقاعسوا عن تقديم قرابين السمك لمعبد “إيساجيل-  Esagil”، لم تكن نهاياتهم سعيدة”.  
وفقًا للنص القديم؛ تُطعم كوبابا صياد سمك وتقنعه بتقديم صيده إلى إيساكيلا (معنى الكلمة: منزل برأس مرفوع، وهو المعبد الرئيسي لعبادة الإله مردوخ بمدينة بابل.
المترجمة). ولم تكن استجابة مردوخ بالأمر المفاجئ، إذ قال: “ليكن كذلك” وبذا “عهد إلى كوبابا، حارسة النزل، بالسيادة على العالم كله”.
وهكذا لم تعد نفقات حملتها للسيطرة على العالم سوى رغيف خبز وبعض الماء؛ وهما (من قبيل المصادفة) مكونا صناعة الجعة السومرية، اللذان كانا أساس حياتها أيضا قبل
لملكية.
يبدو أن الدلالات الإلهية أصبحت أكثر بروزا بمرور الوقت؛ واختفت كوبابا البشرية تدريجيا من الذاكرة.
ومن المفترض انه قد جرت عبادتها بصفتها حامية مدينة كركميش السورية خلال العصر الحيثي في الألفية التالية؛ لكن العلاقة بين الشخصية التاريخية والآله لم تكن واضحة.

موقع «آركيونيوز}